وأما التعليل: فهو يعتمد بعد الاستقراء على التأمل الفكري في العلل والأسباب، التي جعلت واضع اللغة يربط اختلاف ظواهر النطق باختلاف المعاني التي يقصد إفادتها، حينما تضم الكلمات بعضها إلى بعض في نطق متتابع.
وأما القياس: فهو عمل فكري ذو وجهين:
الوجه الأول: الحكم على كل مثال مستحدث مناظر للأمثلة التي استخلصت منها القاعدة، بضرورة التزام مضمون القاعدة فيه، فمثلًا: كل فاعل يصاغ في أية جملة عربية يجب أن يكون مرفوعًا، وكل مفعول به يجب أن يكون منصوبًا.
الوجه الثاني: يكون بقياس الأشباه والنظائر بعضها على بعض، وإعطائها مثل أحكامها، ولو لم يثبت بالسماع أن العرب قد استعملوها بأعيانها، وإنما استعملوها بنظائرها.
ومن هذا جميع القواعد القياسية في أسماء الفاعل والمفعول والزمان والمكان، وكذلك التصريفات والجموع ونحوها.
٦- مقدمة حول تدوين مفردات اللغة العربية في المعجمات:
كما اتجه المسلمون لضبط قواعد اللسان العربي ورسم قوانينه وتمييز أساليبه، اتجهوا أيضًا لجمع مفردات هذا اللسان العربي، في عملية إحصاء واسعة النطاق، عن طريق الاستقراء، بتتبع الكلمات العربية، وكيفية النطق بها، وما تحمل من دلالات، ثم عن طريق القياس في المشتقات إذا توافرت شروط القياس الصحيح.
وتطلب هذا العمل الحضاري العظيم تتبعًا مضنيًا وجهودًا كبيرة جدًّا، والسبب الأول الذي دعا علماء المسلمين إلى القيام بهذا العمل الجليل المضني، هو حرصهم على ضبط الأصول اللغوية التي بها يفهم القرآن الكريم، وبها تفهم السنة النبوية، وبها يمكن استنباط ما يتضمنان من معاني وتوصيات وأحكام.