وما دام الأمراء العرب قد شغفوا بأوراق البردي والبرجامون نصف الممزقة، فإنه لم يكن هناك من طريق لكسب صداقتهم أنجح من إهدائهم بعض لفائف الكتب التي تراكم التراب فوقها.
هذا ما فكر به قاطنو البوسفور، فأرسلوا إلى "عبد الرحمن الثالث" أمير الأندلس، حقيبة كبيرة -بغية توطيد الصداقة معه- وهذه الحقيبة ملأى بالمخطوطات القديمة، ومن بينها تعاليم الطب والعلاج لـ"ديسقوريدس DIOSKURIDES" وكان ثمن بيع هذا الفكر القديم باهظًا، ولكن العرب "أي: المسلمين" كانوا على استعداد لدفع الثمن مهما كان.
وأُرسلت البعثات الخاصة من بغداد، للبحث عن كنوز العلم، حاملة أكياسًا من النقود، إلى بيزنطية والهند؛ إذ قام المتعلمون من مختلف البلدان بدور السماسرة.
وأصبح اقتناء المخطوطات التي لم تترجم حتى ذلك الحين هواية الأمراء، والوزراء، وسراة القوم. فضحوا بمبالغ طائلة من بلاد الإغريق وآسية الصغرى، وفي كل مكان وطئته أقدام الإغريق يومًا ما، عن طريق بعثات العلماء، أو عن طريق عملائهم الخاصين.
أجل لقد دفعوا ثمنًا باهظًا وجدوه باقيًا من الآثار العلمية، وكان قد نجا من أعمال التخريب الفظيعة الشائنة.
واستطاع العرب "أي: المسلمون" كذلك أن يكشفوا كثيرًا من الكنوز، ففي قبو مظلم تسكنه الفئران والعناكب في الإسكندرية، عثر القوم بين حجرين هائلين على كتاب في فنون الحرب، وعثروا على كتاب آخر في قدر مغلقة تحت جدران دير سوري.
وفي آسية الصغرى، وعلى مسير ثلاثة أيام من بيزنطية، عثر "محمد بن إسحاق" على مكتبة ضخمة في معبد قديم كبير، له باب لم ير من قبل بابًا حديديًّا في ضخامته.
لقد أنشأ الإغريق هذا المعبد يوم كانوا يعبدون النجوم والأوثان، وقدموا فيه القرابين لآلهتهم.