فالإنسان الذي ينخرط في بيئة تدربه على النظام الكامل حينما يقوم بعادته لربه في الصلاة وبخاصة صلاة الجماعة يسهل عليه أن يتلقى تعليمات تنظيمية في مختلف أنواع السلوك في الحياة.
والإنسان الذي يجد نفسه في بيئة لهجتها الصدق، وخلقها الأمانة والوفاء بالعهد، والصدق بالوعد، يصعب عليه جدًّا أن يخرج على هذا الأسلوب من السلوك في الحياة، وإن كانت نفسه نزاعة إلى ذلك، ثم متى طال عليه العهد وهو ملتزم بما تمليه عليه البيئة وجد هذه الصفات الكريمات ذات جذور متغلغلة في أعماق نفسه، وأصبح يحس بنفرة شديدة من أضدادها، فلو حلا له أن يكذب لم يطاوعه خلقه المكتسب على ذلك، ولو بدا له أن يخون تلجلج واضطرب وفر من نزعات نفسه ونزعات شيطانه، وابتعد عن طريق الخيانة، وهكذا في كل ما اكتسبه بالتدريب العملي والتخلق طويلي الأمد، ضمن البيئة الخيرة التي لفته في دوامتها.
فمن خطوات الإصلاح التي أخذ بها الإسلام تكوين المجتمع الإسلامي المثالي الأول، الذي يملي على كل من ينشأ أو يندمج فيه صور الكمال السلوكي في كل مجال من مجالات الحياة.
ومن أجل ذلك حرص الإسلام الحرص البالغ على إيجاد المناسبات المتكررات التي يجتمع فيها المسلمون على سلوك واحد، الأمر الذي من شأنه أن يملي صور السلوك العملي الكريم على الأفراد، ويدربهم على كل فضيلة نفسية وعملية، ويشجع المتنافسين في الخيرات على تنمية أمثلة الكمال السلوكي في المجتمع، وترقية مظاهر الحكمة في السلوك.
بخلاف المجتمعات المنحرفة فإنها تؤدي هذا الدور نفسه، ولكن في اتجاه معاكس؛ إذ تعمل على تدريب من ينخرط فيها على كل رذيلة من الرذائل السلوكية وكل قبيحة من القبائح المنتشرة فيها، كما تكون بؤرة ملائمة لتزايد الحماقات السلوكية، حتى تفسد المفاهيم العامة، فتمسي مآثر الأفراد فيها ما أصابوه من جرائم وسيئات وانحرافات في السلوك.