للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأما إذا قدر الله عليه رزقه، وضيق عليه مسالك العيش، فليس له أن يقول: "إن ربي أهانن" بل عليه أن يلاحظ دائمًا أن الله ابتلاه بذلك بعد أن وهبه ما وهبه من جلائل المنح التي ميز الإنسان بها، ثم يسعى جهده حتى يبرهن على استحقاقه لهذا الكمال الإنساني، وذلك بالصبر والرضا عن الله تعالى، في قضائه وقدره، وبالاستقامة على الطريقة التي شرعها الله لعباده.

وإلى هذه المعاني نجد الإشارة في قول الله تعالى في سورة "الفجر: ٨٩ مصحف/ ١٠ نزول":

{فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ، وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ} .

ب- ويمكن أن نقول: إن امتحان درجة الطاعة بالجهاد في سبيل الله بالنفس والمال، في ميدان الدفاع عن شريعة الرحمن، بنسبة توافق الاستعداد الفطري الموهوب لإنسان موضوع تحت الامتحان الرباني، يساوي امتحان درجة الطاعة بالتزام أحكام الله وضبط النفس عن الطغيان في ميدان الحكم والسلطان، فالجندي في المعركة ممتحن على قدر استعداده بمثل امتحان ذي السلطان على كرسي حكمه، الأول منهما تمتحن إرادته لمقاومة جبن النفس في ساعة الشدة والفزع، والآخر تمتحن إرادته لمقاومة طغيان النفس في ساعة الرخاء والطمع.

يضاف إلى ذلك ما في التفاوت بين الناس من ابتلاء بعضهم ببعض، فتبتلى إرادة الغني في الإحسان والتواضع أمام فقر الفقير، وتبتلى إرادة الفقير في الرضا والقناعة ومجانبة الحسد أمام غنى الغني، وهكذا يبتلى الصحيح بالسقيم والسقيم بالصحيح، والقوي بالضعيف، والضعيف بالقوي، ويبتلى الراعي برعيته، والرعية براعيها، ومن ذلك ابتلاؤه سبحانه المؤمنين بمجاهدة الكافرين، ويشهد لهذا قول الله تعالى في سورة "محمد: ٤٧ مصحف/ ٩٥ نزول":

{وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ} .

وقوله تعالى أيضًا في سورة "محمد: ٤٧ مصحف ٩٥ نزول":

<<  <   >  >>