المتع واللذات، ورد المنحرف عن صراط الله إلى طاعته؛ لأن للمصائب والآلام تأثيرات خاصة في النفس الإنسانية، تشعرها بما هي عليه من ضعف وعجز يلجئانها إلى ذي القوة المطلقة، الذي لديه وحده فيض النعم، وبيده وحده دفع البلاء، ورفع المصائب والخطوب.
وربما كان مكروه النفوس إلى ... محبوبها سببًا ما مثله سبب
وكثيرًا ما يكون طريق العناية الإلهية بعبده أن يقذفه في غمرات الشدائب ليعرفها، ويذوق بعض آلامها، ثم يخرجه منها سالمًا أو بأذى يسير، ولكن وراء ذلك خيرًا كثيرًا له.
ونستطيع أن نقول: إن اليتم الذي ذاق محمد صلوات الله عليه وسلامه طفولته قد كان له مرحلة تربوية من أجل المراحل في حياته، وعناية ربانية به، ليعده الله لمهام الرسالة التي اختار جل وعلا أن يصطفيه بها.
والتربية الربانية التي اكتسبها أصحاب محمد صلوات الله عليه في نعمة النصر الذي أحرزوه في بدر والأحزاب لون عظيم أفادهم توكلًا على الله وثقة به، وتثبيتًا للإيمان في قلوبهم، وعقيدة راسخة بأن النصر بيد الله يعطيه من يشاء، وأن الله لا محالة ناصر دينه، ومؤيد نبيه والمؤمنين معه.
أما التربية التي اكتسبوها في المصيبة التي مستهم آلامها في أحد، وحنين فذات لون آخر، إذا علمتهم أن للنصر شروطًا وأسبابًا مادية ومعنوية، لا يمكن إحرازها إلا بها، فليست قضية المسلمين مع أعدائهم، قضية معجزات، وخوارق عادات، ولكنها سنن كونية، لا تبديل لها، وإنما يكتب الله النصر والتأييد لأوليائه على أعدائه، إذا فعلوا ما أوجب عليهم، وتقيدوا بالسنن التي أرشدهم إليها.
ويمكن أن نجعل من مصائب التربية المصائب التي يتعرض لها من وهم دون التكليف، فهي من جهة مصائب ابتلاء أو تربية أو جزاء لأوليائهم، وهي من جهة أخرى مصائب تربية لمن هم دون التكليف، وذلك لأن كثيرًا من صفات الكمال في الإنسان لا توجد ولا تنمو إلا في ظروف المصائب.