للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الشمس} أي لأول دلوكها١ وهو ميلها من كبد السماء إلى الغرب وهو وقت الزوال ودخول وقت الظهر، وقوله {إلى غسق٢ الليل} أي إلى ظلمته، ودخلت صلاة العصر٣ فيما بين دلوك الشمس وغسق الليل، ودخلت صلاة المغرب وصلاة العشاء في غسق الليل الذي هو ظلمته، وقوله: {وقرآن الفجر٤} أي صلاة الصبح وهذه هي الصلوات الخمس المفروضة على أمة الإسلام، النبي وأتباعه سواء وقوله {إن قرآن الفجر كان مشهوداً} يعني محضوراً، تحضره ملائكة النهار لتنصرف ملائكة الليل، لحديث الصحيح "يتعاقب فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ... " وقوله {ومن الليل فتهجد٥ به نافلة لك} أي صلاة زائدة على الفرائض الخمس وهي قيام الليل، وهى واجب عليه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بهذه الآية، وعلى أمته مندوب إليه، مرغب فيه.

وقوله: {عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً} عسى من الله تعالى تفيد الوجوب، ولذا فقد أخبر تعالى رسوله مبشراً إياه بأن يقيمه يوم القيامة {مقاماً محموداً} يحمده عليه الأولون والآخرون. وهو الشفاعة العظمى حيث يتخلى عنها ادم فمن دونه ... حتى تنتهي إليه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيقول: أنا لها، أنا لها، ويأذن له ربه فيشفع للخليقة في فضل القضاء، ليدخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، وتستريح الخليقة من عناء الموقف وطوله وصعوبته.

وقوله تعالى: {وقل رب٦ أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق} . هذه بشارة أخرى أن الله تعالى أذن لرسوله بالهجرة من تلقاء نفسه لا بإخراج قومه وهو كاره. فقال له: قل في دعائك ربي أدخلني المدينة دار هجرتي {مدخل صدق} بحيث لا أرى فيها مكروها، وأخرجني من مكة يوم تخرجني {مخرج صدق} غير ملتفت إليها بقلبي شوقاً وحنيناً إليها. {واجعل لي من لدنك سلطاناً نصيراً} أي وسلني أن أجعل لك من لدني سلطاناً نصيراً لك على من بغاك بسوء، وكادك بمكر وخديعة، وحاول منعك من إقامة دينك، ودعوتك إلى ربك،


١ ما في التفسير أشهر وأولى بالأخذ به وهو ما ذهب إليه عمر وابنه وأبو هريرة وابن عباس ومالك، ويرى غير هؤلاء من بعض الصحابة والتابعين: أن دلوك الشمس هو غروبها وعليه فلم تشمل الآية أوقات الصلوات الخمس بخلاف القول بدلوك الشمس: زوالها عن كبد السماء.
٢ غسق الليل: سواده وظلمته قال ابن قيس الرّقيّات:
إنّ هذا الليل قد غسقاَ
واشتكيت الهمّ والأرقا
٣ وقت العصر إذا زاد ظل كل شيء مثله، ووقت المغرب: غروب الشمس، ووقت العشاء: ذهاب الشفق الأحمر، ووقت الصبح طلوع الفجر ووقت الظهر: زوال الشمس عن كبد السماء.
٤ {قرآن} : منصوب على الاغراء أي: والزم قرآن الفجر لأهميته ويصح أن ينصب على العطف أي: أقم الصلاة وأقم قرآن الفجر أي: صلاته.
٥ {نافلة لك} : أي نافلة لأجلك خاصة بك دون سائر أمتك.
٦ روى الترمذي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمكة ثمّ أمر بالهجرة فنزلت: {وقل ربّ أدخلني..} الخ وهو تعليم من الله لرسوله هذا الدعاء يقوله في صلاته وخارجها.

<<  <  ج: ص:  >  >>