للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مات أهله وتركوه١ هذا ما تضمنته الآيات الأربع (٤٢، ٤٣، ٤٤، ٤٥) أما الآية الأخيرة من هذا السياق فالحق عز وجل يقول٢ {أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها} حاثاً المكذبين من كفار قريش والعرب على السير في البلاد ليقفوا على آثار الهالكين فلعل ذلك يكسبهم حياة جديدة في تفكيرهم ونظرهم فتكون لهم قلوب حية واعية يعقلون بها خطابنا إليهم ونحن ندعوهم إلى نجاتهم وسعادتهم أو تكون لهم آذان يسمعون بها نداء النصح والخير الذي نوجهه إليهم بواسطة كتابنا ورسولنا، وما لهم من عيون مبصرة بدون قلوب واعية وآذان صاغية فإن ذلك غير نافع {فإنها لا٣ تعمى الأبصار، ولكن تعمى القلوب التي في الصدور٤} . وهذا حاصل القول ألا فليسيروا لعلهم يكسبون عبراً وعظات تحصي قلوبهم وسائر حواسهم المتبلدة.

هداية الآيات

من هداية الآيات:

١- تكذيب الرسل والدعاة إلى الحق والخير سنة مطردة في البشر لها عواملها من أبرزها التقليد والمحافظة على المنافع المادية، وظلمات القلب الناشئة عن الشرك والمعاصي.

٢- مظاهر قدرة الله تعالى في إهلاك الأمم والشعوب الظالمة بعد الإمهال لهم والإعذار.

٣- مشروعية طلب العبر وتصيدها من آثار الهالكين.

٤- العبرة بالبصيرة القلبية لا بالبصر فكم من أعمى هو أبصر للحقائق وطرق النجاة من ذي بصر حاد حديد. ومن هنا كان المفروض على العبد أن يحافظ على بصيرته أكثر من المحافظة على عينيه، وذلك بأن يتجنب مدمرات القلوب من الكذب والترهات والخرافات، والكبر والعجب والحب والبغض في غير الله.


١ {وقصر مشيد} أي: مبني بالشيد وهو الجص أي: مثلها معطّل.
٢ الاستفهام للتعجيب من حالهم وهم في غيهم وجهلهم.
٣ {فإنها..} أي: الحال أو القصة لا تعمى الأبصار: قال ابن عباس رضي الله عنهما ومقاتل لما نزلت: {ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى} سأل ابن أم مكتوم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قائلاً: أنا في الدنيا أعمى أفأكون في الآخرة أعمى فنزلت هذه الآية: {فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور} الآية صريحة في أنّ العقل في القلب، ولا منافاة بين من يرى ذلك في المخ إذ ارتباط كبير بين المخ والقلب في حصول الوعي والإدراك للإنسان.
٤ ذكر الصدور ظرفاً للقلوب للتأكيد إذا القلوب لا تكون إلا في الصدور فهو كقوله تعالى: {ولا طائر يطير بجناحيه..} "وكقولهم رأيت بعيني".

<<  <  ج: ص:  >  >>