للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أي منقلب ينقلبون: أي مرجع يرجعون بعد الموت وهو دار البوار جهنم.

معنى الآيات:

لما ادعى المبطلون من مشركي قريش أن الرسول يتلقى من الشياطين كما تتلقى الكهان منهم رد تعالى عليهم بقوله {هل أنبئكم١ على من تنزل الشياطين؟} وأجاب عن السؤال قائلاً {تنزل على كل أفاك} كذاب يقلب الكذب قلباً فيقول في الظالم عادل، وفي الخبيث طيب، وفي الفاسد صالح، {أثيم} أي كثير الآثام إذ لم يترك جريمة إلا يقارفها ولا سيئة إلا يجترحها حتى يغرق في الإثم فهذا الذي تتحد معه الشياطين وتلفي إليه بما تسمعه من السماء لكونه مثلها في ظلمة النفس وخبث الروح، وأما محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فهو أبعد الناس عن الكذب والإثم فلم يجرب عليه كذب قط ولم يعرف منه ذنب أبداً فكيف تتحد معه الشياطين وتخبره وتلقي إليه بخبر السماء؟ وبهذا بطلت التهمة وقوله {يلقون٢ السمع وأكثرهم٣ كاذبون} أي إن الشياطين قبل أن يحال بينهم وبين استراق السمع بإرصاد الشهب لهم كانوا يلقون أسماعهم للحصول على الخبر وأكثرهم كاذبون حيث يخلطون مع الكلمة التي سمعوها مائة كلمة كلها كذب منهم ويلقون ذلك الكذب إلى إخوانهم في الكفر والخبث من كهنة الناس.

وقوله تعالى {والشعراء يتبعهم الغاوون} أي أهل الغواية والضلال هم الذين يتبعون الشعراء فيروون لهم وينقلون عنهم، ويصدقونهم فيما يقولون. والدليل على ذلك {أنهم} أي الشعراء {في كل واد} من أودية الكلام وفنونه {يهيمون} على وجوههم


١ هذا الاستفهام صوري واختير له هل لإفادتها التحقيق كقد وهو يحمل التعريض بأنّ المستفهم عنه مما يسوءهم فلذا استفهموا في هذا السؤال {هل أنبئكم} ؟
٢ وجائز أن يكون من يلقون السمع: الكهان، إذ هم يلقون أسماعهم عند مشاهدة كواكب لتنزل عليهم شياطينهم بالخبر وذلك من إفكهم، وعليه فجملة: {يلقون السمع} صفة {لكل أفاك أثيم} وما في التفسير عليه الكثيرون وكلا المعنيين وارد وصحيح.
٣ أي: أكثر هؤلاء الأفاكين كاذبون فيما يزعمون أنهم تلقوه من الشياطين فبعضهم لا يتلقى شيئاً وإنما يدعي ذلك، والبعض يتلقى قليلاً فيزيد عليه أضعافه، وفي الصحيح أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سئل عن الكهان فقال: "ليسوا بشيء قيل: يا رسول الله فإنهم يحدثون يكون حقا ً فقال: تلك الكلمة من الحق يخطفها المجني فيقرها في أذن وليه قر الدجاجة فيخلطون عليها أكثر من مائة كذبة".

<<  <  ج: ص:  >  >>