للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مراعاة لمقام رسوله محمد الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقوله تعالى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ (١) مَتَاعاًً} أي طلبتم شيئاً من الأمتعة التي توجد في البيت كإناء ونحوه فاسألوهن من وراء حجاب أي باب وستر نحوهما لا مواجهة لحرمة النظر إليهن. وقوله {ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ} أنتم أيها الرجال وقلوبهن أيتها الأمهات أطهر أي من خواطر السوء الفاسدة التي لا يخلو منها قلب الإنسان إذا خاطب فحلٌ أنثى أو خاطبت امرأة فحلاً من الرجال.

وقوله تعالى: {وَمَا كَانَ لَكُمْ} أي ما ينبغي ولا يصح أن تؤذوا رسول الله أي أذى ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أي ولا أن تتزوجوا بعد وفاته نساءه فإنهن محرمات على الرجال تحريم الأمهات تحريماً مؤبداً لا يحل بحال، وقوله تعالى: {إِنَّ (٢) ذَلِكُمْ} أي المذكور من المن أذى رسول الله والزواج من بعده بنسائه كان عند الله أي في حكمه وقضائه وشرعه ذنباً عظيماً لا يقادر قدره ولا يعرف مدى جزائه وعقوبته إلا الله.

هذا ما دلت عليه الآية الأولى (٥٣) وقوله تعالى {إِنْ تُبْدُوا شَيْئاً} أي تظهروه {أَوْ تُخْفُوهُ} أي تستروه يريد من الرغبة في الزواج من نساء الرسول بعد موته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فإن الله كان بكل شيء عليماً وسيجزيكم بتلك الرغبة التي أظهرتموها أو أخفيتموها في نفوسكم شرّ الجزاء وأسوه. فاتقوا الله وعظموا ما عظم من حرمات رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. هذا ما دلت عليه الآية (٥٤) .

وقوله تعالى في الآية (٥٥) لا جناح عليهن (٣) أي لا تضييق ولا حرج ولا إثم على نساء المؤمنات من أزواج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وغيرهن من نساء المؤمنين في أن يظهرن وجوههن ويكلمن بدون حجاب أي وجها لوجه آباءهن الأب والجد وإن علا، وأبناءهن الابن وابن الابن وإن نزل وابن البنت كذلك وإن نزل. وإخوانهن وأبناء إخوانهن وإن نزلوا وأبناء أخواتهن وإن نزلوا، ومماليكهن من إماء وعبيد.

وقوله تعالى {وَاتَّقِينَ (٤) اللهَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً} أمر من الله لنساء النبي ونساء المؤمنين بتقوى الله فيما نهاهن عنه وحرمه عليهن من إبداء الوجه للأجانب غير المحارم المذكورين في


١ - روى أبو داود عن أنس بن مالك قال عمر: وافقت ربي في أربع الحديث وفيه قلت يا رسول الله لو ضرب الحجاب على نسائك يدخل عليهن البر والفاجر فأنزل الله عز وجل وإذا سألتموهن الآية.
٢ - روي أن رجلا من المنافقين لما تزوج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أم سلمة وحفصة بعد خنيس بن حذافة قال: فما بال محمد يتزوج نساءنا والله لو قد مات لأجلنا السهام على نسائه فأنزل الله تعالى هذه الآية، فحرم الله نكاح أزواجه من بعده وجعل لهن حكم الأمهات وقال صلى الله عليه زوجاتي في الدنيا هن زوجاتي في الآخرة وهذه علة من علل التحريم أيضاً.
٣ - روي أنه لما نزلت آية الحجاب تساءل الآباء والأقارب: هل نحن أيضاً لا نكلمهن إلا من وراء حجاب؟ فنزلت هذه الآية لا جناح عليهن في آبائهن الخ.
٤ - لما ذكر تعالى الرخصة للمحارم أمر النساء بتقواه تعالى فأمرهن بذلك حتى لا يتجاوزن من أذن لهن بالنظر إليهم في المحارم إلى غيرهم وذلك لقلة تحفظ النساء وكثرة استرسالهن.

<<  <  ج: ص:  >  >>