للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

واحدٍ، وليس فيه أحدٌ، فرَحلوه على البعير ولم يستنكروا خفَّته؛ لتساعُدِهم عليه، ولأن عائشة رضي الله عنها كانت في ذلك الوقتِ لم تحمل اللحم، بل كانت طفلة في سنّ أربعَ عشرة سنة.

فلما رجعت وقد أصابت العِقْدَ لم تر بالمنزل أحداً، فجلست في المنزلِ، وقالت: إنهم سيفقدونها فيرجعون إليها. وأخذتها سَنَةٌ من النومِ فلم تستيقظ إلا بترجيع صفوانِ بن المُعَطّل السُّلَمي، وكان قد عرَّس (١) في أخرياتِ القومِ، فلما رأى أمَّ المؤمنينَ، قال: إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون، زوجةُ رسُولِ الله صلى الله عليه وسلم؟!

ثم أناخَ بعيره فقرَّبه إليها، فركبته، ولم يكلمها كلمة واحدة، ثم سارَ بها يقودُها حتى قَدِمَا، وقد نزلَ الجيشُ في نحرِ الظهيرة (٢). فلما رأى ذلك الناسُ تكلَّم المنافقون بما الله مجازيهم به، وجعلَ عبدُ الله بن أُبيّ الخبيث مع ما تقدم له من الخزي في هذه الغزوة يتكلَّم في ذلك ويستحكيه، ويُظهره ويُشيعه وُيبديه.

وكان الأمرُ في ذلك كما هو مطول في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها الصّدّيقة بنت الصديق المبرأة من فوق سبع سماواتٍ مما أبَنَها (٣) به أهلُ الإفكِ في هذه الغزوة في قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ … } [النور: ١١] الآيات.

فلما أنزل الله تعالى ذلك وكان بعد قدومهم من هذه الغزوة بأكثر من شهرٍ جُلد الذين تكلَّموا في الإفكِ. وكان ممن جُلد مِسْطحُ بنُ أُثَاثَة، وحَمْنةُ بنتُ جحش.


(١) التعريس: نزول المسافر آخر الليل للنوم أو الاستراحة.
(٢) نحر الظهيرة: أول الزوال وهو أشد ما يكون في حرارة النهار.
(٣) اتهمها.

<<  <   >  >>