للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذه الرواية مع كونها مخرجة في البخاري إلا أنها ضعيفة الإسناد منكرة المتن، لأسباب منها:

أولاً: أن إسنادها منقطع، فلم يذكرها البخاري بإسناد متصل، وإنما ذكرها بلاغاً من كلام الزهري، وذلك في قوله: «فيما بلغنا». ولعل البخاري إنما ذكرها لينبّه على ضعفها وأنه ليس لها إسناد متصل.

ثانياً: أن محاولة النبي صلى الله عليه وسلم قتل نفسه لمجرد انقطاع الوحي عنه مدة هذا يتنافى مع عصمته صلى الله عليه وسلم، ويتنافى مع ما عرف عنه من رباطة الجأش وقوة النفس. وقد مرّ عليه في مسيرة دعوته شدائد وأهوال آلمته وأحزنته لكنه لم يفكر بمثل هذا قط.

ثالثاً: زعمُ الراوي أنه صلى الله عليه وسلم كان يريد التردّي من فوق رؤوس الجبال زعمٌ باطلٌ، لأنه مبني على الظن والتخمين، فكيف عَلِمَ الراوي مقصد النبي صلى الله عليه وسلم؟

ولِمَ لا يقال إنه صلى الله عليه وسلم كان يصعد رؤوس الجبال بحثاً عن جبريل عليه السلام وليس لقصد التردي وقتل نفسه كما حسب الراوي (١)!!

وأما تعليل المصنف بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك بسبب شوقه لحلاوة الوحي ففيه نظر؛ أولاً: لأنه مخالف لتعليل رواية الزهري التي اعتمد عليها، والتي تقول أن ذلك كان بسبب الهم والحزن وليس بسبب الحلاوة والشوق.

وثانياً: فلأن الإنسان إنما يفكر بقتل نفسه بسبب ما قد يصيبه من الهم والحزن وليس بسبب ما يجده من شوق وحلاوة!!


(١) أطال العلامة محمد الصادق العرجون في نقد هذه الرواية ومناقشتها سنداً ومتناً في كتابه: محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ١/ ٣٨٥.

<<  <   >  >>