للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«مَثَلِي وَمَثَلُ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِي كَمَثَلِ رَجُلٍ بَنَى دَارًا فَأَكْمَلَهَا إلَّا مَوْضِعَ اللَّبِنَةِ فَأَنَا خَاتَمُ النَّبِيِّينَ وَأَنَا تِلْكَ اللَّبِنَةُ» وَإِذَا عُرِفَ هِدَايَةُ الْمُغَايَرَةِ بَيْنَ الْآيَتَيْنِ فِي الْأَلْفَاظِ بِقَوْلِهِ فِي بَرَاءَةَ {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا} [التوبة: ٣٢] إشَارَةً إلَى إرَادَتِهِمْ فِي زَمَنِ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَيُرْشِدُ إلَيْهِ قَوْلُهُ {وَقَالَتِ الْيَهُودُ} [البقرة: ١١٣]- الْآيَةَ وَلِذَلِكَ قَالَ {أَنْ يُطْفِئُوا} [التوبة: ٣٢] بِأَنَّ الْمُخَلِّصَةَ لِلِاسْتِقْبَالِ مِنْ غَيْرِ إدْخَالِ اللَّامِ لِأَنَّهُمْ أَرَادُوا أَنْ يُطْفِئُوا فِي الْمُسْتَقْبَلِ نُورَ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ وَعَقَّبَهُ بِقَوْلِهِ {وَيَأْبَى اللَّهُ إِلا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ} [التوبة: ٣٢] أَيْضًا بِأَنَّ الْمُخَلِّصَةَ لِلِاسْتِقْبَالِ وَفِي سُورَةِ الصَّفِّ أَتَى بِاللَّامِ الْمُؤَكِّدَةِ إشَارَةً إلَى أَنَّ هَذِهِ إرَادَةٌ أُخْرَى بَعْدَ مَجِيءِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرَادَ تَوْرِيَتَهُمْ فِي ذَلِكَ فَأَكَّدَهَا بِاللَّامِ وَقَالَ: وَأَنْذَرَهُمْ؛ لِأَنَّهُ لِلْحَالِ وَيُسَاعِدُهُ قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ بِإِضَافَةِ مُتِمٍّ إلَى نُورِهِ فَإِنَّهَا أَقْوَى فِي ذَلِكَ فَانْظُرْ مَا أَعْظَمُ هَذِهِ الْفَائِدَةِ انْتَهَى.

[مَسْأَلَةٌ جَرَيَانُ مَاءِ دَارٍ إلَى أُخْرَى]

(مَسْأَلَةٌ مِنْ غَزَّةَ) دَارَانِ مُتَلَاصِقَتَانِ إحْدَاهُمَا لِزَيْدٍ وَالْأُخْرَى لِعَمْرٍو هَدَمَ عَمْرٌو دَارِهِ وَعَمَرَهَا عَلَى غَيْرِ صِفَتِهَا وَجَدَّدَ فِيهَا مَسَاكِنَ وَأَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهُ ابْتَنَى دَارِهِ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي هِيَ الْآنَ وَأَنَّ مَاءَ الشِّتَاءِ الْمُجْتَمِعَ مِنْ عُلْوِ دَارِ عَمْرٍو، سُفْلُهَا يَمُرُّ فِي دَارِ زَيْدٍ وَيَذْهَبُ فِي الْقَنَاةِ الْكَائِنَةِ بِدَارِ زَيْدٍ بِحَقٍّ وَاجِبٍ ثَابِتٍ فِي الْمَاضِي وَالْحَالِ وَالْمَآلِ، وَثَبَتَ مَضْمُونُ الْمَحْضَرِ عِنْدَ حَاكِمِ النَّاحِيَةِ وَكَانَ زَيْدٌ غَائِبًا فَحَضَرَ وَأَقَامَ بَيِّنَةً أَنْ جَرَيَانَ دَارِ عَمْرٍو عَلَى دَارِهِ حَادِثٌ وَأَنَّ مُرُورَهُ مِنْ أَرْضِهِ عُدْوَانٌ وَظُلْمٌ وَأَنَّهُ كَانَ بِدَارِ عَمْرٍو قَنَاةٌ يَذْهَبُ مَاءُ الشِّتَاءِ فِيهَا وَلَا يَخْرُجُ مِنْهَا لَا إلَى دَارِ زَيْدٍ وَلَا إلَى دَارِ عَمْرٍو فَمَا الْحُكْمُ؟

(الْجَوَابُ) يُمْنَعُ عَمْرٌو مِنْ جَرَيَانِ مَاءِ دَارِهِ فِي دَارِ زَيْدٍ حَتَّى يَتَبَيَّنَ بِبَيِّنَةٍ سَبَبُ الْحَقِّ الْوَاجِبِ وَإِنْ بَيَّنَ سَبَبًا صَحِيحًا اُتُّبِعَ وَقُدِّمَتْ عَلَى مَنْ شَهِدَتْ بِالْعُدْوَانِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

هَذَا الَّذِي كَتَبْته عَلَيْهَا بِغَيْرِ زِيَادَةٍ وَمُسْتَنَدِي فِي ذَلِكَ أَنَّ حَقَّ إجْرَاءِ الْمَاءِ وَنَحْوِهِ سَبَبٌ يَخْفَى عَنْ كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ كَالْمِلْكِ فَلِذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ بَيَانُ سَبَبِهِ وَلَا أَقُولُ: إنَّ الْبَيِّنَةَ بَاطِلَةٌ إذَا لَمْ تُبَيِّنْ السَّبَبَ بَلْ فَائِدَتُهَا أَنَّ عَمْرًا يَصِيرُ كَصَاحِبِ يَدٍ وَذَلِكَ أَنَّ إجْرَاءَ الْمَاءِ وَوَضْعَ الْجُذُوعِ وَنَحْوَهُ إذَا رَأَيْنَاهُ ثَابِتًا وَجَهِلْنَا سَبَبَهُ حَمَلْنَاهُ عَلَى أَنَّهُ بِحَقٍّ وَلَمْ يَجُزْ لِمَنْ عَلَيْهِ الْحَمْلُ وَالْإِجْرَاءُ رَفْعُهُ بِغَيْرِ مُسْتَنَدٍ فَأَقَامَ عَمْرٌو بَيِّنَتَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>