هَؤُلَاءِ أَمَّا الْمُعَذَّرُونَ الَّذِينَ نَخْشَى عَلَيْهِمْ مِنْ التُّهَمِ فَيُسْتَحَبُّ لَهُمْ الْإِخْفَاءُ قَطْعًا وَإِنَّمَا يُصَلُّونَ الظُّهْرَ بَعْدَ فَرَاغِ جُمُعَةِ الْبَلَدِ وَأَمَّا الْعِيدُ فَيُسْتَحَبُّ لَهُمْ صَلَاتُهُ وَأَمَّا خُطْبَتُهُ فَفِي اسْتِحْبَابِهَا نَظَرٌ لِمَا أَشَرْت إلَيْهِ مِنْ الشِّعَارِ وَلَمْ أَنْظُرْ فِيهِ فَيَحْتَاجُ إلَى كَشْفٍ وَتَأَمُّلٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. كُتِبَ فِي جُمَادَى الْآخِرَةِ سَنَةَ تِسْعٍ وَثَلَاثِينَ. وَمِمَّا لَحَظْنَاهُ مِنْ مَعْنَى فَرْضِ الْكِفَايَةِ يَظْهَرُ تَحْرِيمُ السَّفَرِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ قَبْلَ الزَّوَالِ الْمُفَوِّتِ لِلْجُمُعَةِ وَإِنْ كَانَ وَقْتُهَا لَمْ يَدْخُلْ بِخِلَافِ بَقِيَّةِ الصَّلَوَاتِ، وَلَقَدْ كُنْت أَسْتَشْكِلُ ذَلِكَ وَلَا أُصْغِي لِمَنْ يَقُولُ: إنَّ الْجُمُعَةَ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْيَوْمِ وَأَقُولُ كَيْفَ تَجِبُ الْوَسِيلَةُ قَبْلَ وُجُوبِ الْمَقْصِدِ حَتَّى ظَهَرَ لِي هَذَا الْمَعْنَى وَذَلِكَ أَنَّ إقَامَةَ شِعَارِ هَذَا الْيَوْمِ بِهَذِهِ الصَّلَاةِ مُتَعَلِّقٌ بِالْيَوْمِ وَإِنَّمَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الزَّوَالِ وُجُوبُ الصَّلَاةِ وَصِحَّتُهَا وَلِهَذَا يُسْتَحَبُّ التَّبْكِيرُ لَهَا وَمَسَائِلُ أُخْرَى تَتَخَرَّجُ عَلَى هَذَا انْتَهَى.
[الِاعْتِصَامُ بِالْوَاحِدِ الْأَحَدِ مِنْ إقَامَةِ جُمُعَتَيْنِ فِي بَلَدٍ]
(مَسْأَلَةٌ) قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَرَضِيَ عَنْهُ: إقَامَةُ جُمُعَتَيْنِ فِي بَلَدٍ لَمْ أَرَ لَهَا ذِكْرًا فِي كَلَامِ الصَّحَابَةِ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - إلَّا مَا رَوَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ حَرْبٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ الْوَلِيدِ قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لَا جُمُعَةَ يَوْمَ جُمُعَةٍ إلَّا مَعَ الْإِمَامِ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْمُنْذِرِ رَوَيْنَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: لَا جُمُعَةَ إلَّا فِي الْمَسْجِدِ الْأَكْبَرِ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ الْإِمَامُ، وَلَمْ أَرَ جَوَازَ جُمُعَتَيْنِ فِي بَلَدٍ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ قَوْلًا وَلَا فِعْلًا وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إدْرِيسَ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي مَيْمُونٍ عَنْ أَبِي رَافِعٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُمْ كَتَبُوا إلَى عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَسْأَلُونَهُ عَنْ الْجُمُعَةِ فَكَتَبَ جَمِّعُوا حَيْثُ مَا كُنْتُمْ، وَلَيْسَ فِي هَذَا الْأَثَرِ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - تَعَرُّضٌ لِلتَّعَدُّدِ وَإِنَّمَا فِيهِ إجَازَتُهُ الْجُمُعَةَ فِي أَيِّ مَكَان كَانَ مِنْ الْقُرَى وَالْمُدُنِ.
وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ غُنْدَرٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ مُغِيرَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ: لَا جُمُعَةَ وَلَا تَشْرِيقَ إلَّا فِي مِصْرٍ جَامِعٍ. وَعَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: لَا تَشْرِيقَ وَلَا جُمُعَةَ إلَّا فِي مِصْرٍ. وَهَذَا مَعَ الْأَوَّلِ يَقْتَضِي الْحُكْمَ بِصِحَّةِ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَإِنْ كَانَ سُفْيَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَيْضًا مُدَلِّسًا لَكِنَّهُ جَلِيلٌ وَرَأَيْتُ فِي عِلَلِ الْحَدِيثِ الَّتِي رَوَاهَا الْأَثْرَمُ عَنْ أَحْمَدَ قُلْت لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: وَرَوَى أَبُو إسْرَائِيلَ شَيْئًا غَرِيبًا فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: نَعَمْ لَا جُمُعَةَ وَلَا تَشْرِيقَ إلَّا فِي مِصْرٍ جَامِعٍ وَهَذَا مِنْ أَحْمَدَ يَقْتَضِي التَّوَقُّفَ فِي تَصْحِيحِهِ وَعَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ فَهَذَا اخْتِلَافٌ بَيْنَ عُمَرَ وَعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي اشْتِرَاطِ الْمِصْرِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute