للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. انْتَهَى.

[الدَّلَالَةُ عَلَى عُمُومِ الرِّسَالَةِ]

(هَذِهِ أَسْئِلَةٌ مِنْ طَرَابُلُس الشَّامِ)

وَرَدَتْ عَلَى الشَّيْخِ الْإِمَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهُوَ بِالْقَاهِرَةِ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَثَلَاثِينَ وَسَبْعِمِائَةِ (الدَّلَالَةُ عَلَى عُمُومِ الرِّسَالَةِ)

(السُّؤَالُ الْأَوَّلُ) فِيمَنْ ذَهَبَ مِنْ الْعُلَمَاءِ الْمُحَقِّقِينَ إلَى وُجُوبِ الْإِيمَانِ بِكَوْنِ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَبْعُوثًا إلَى الْإِنْسِ وَالْجِنِّ كَافَّةً وَأَنَّ رِسَالَتَهُ شَامِلَةٌ لِلثَّقَلَيْنِ.

وَهُوَ سُؤَالٌ مَبْسُوطٌ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَرَى أَنْ أَذْكُرَ السُّؤَالَ كُلَّهُ مُسْتَوْفًى لَكِنْ أُقَطِّعُهُ فَأَذْكُرُ كُلَّ قِطْعَةٍ مِنْهُ وَجَوَابَهَا لِيَحْصُلَ بِذَلِكَ اسْتِيعَابُ كَلَامِ السَّائِلِ وَجَوَابِهِ.

فَأَقُولُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ: كَوْنُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَبْعُوثًا إلَى الْإِنْسِ وَالْجِنِّ كَافَّةً وَأَنَّ رِسَالَتَهُ شَامِلَةٌ لِلثَّقَلَيْنِ فَلَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا وَنَقَلَ جَمَاعَةٌ الْإِجْمَاعَ عَلَيْهِ.

وَكَوْنُ ذَلِكَ مِمَّا يَثْبُتُ بِالْإِجْمَاعِ وَكَوْنُهُ قَطْعِيًّا أَوْ ظَنِّيًّا سَيَأْتِي عِنْدَ ذِكْرِ السَّائِلِ لَهُ.

وَأَدِلَّةُ ذَلِكَ تَأْتِي قَرِيبًا عِنْدَ طَلَبِ السَّائِلِ الدَّلِيلَ، وَأَمَّا وُجُوبُ الْإِيمَانِ بِذَلِكَ فَصَحِيحٌ بِمَعْنَى تَصْدِيقِ مَا جَاءَ بِالْأَخْبَارِ عَنْهُ مِنْ الْأَدِلَّةِ الْوَارِدَةِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ بَعْدَ الْإِحَاطَةِ بِهَا، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَجِبُ وَيُشْتَرَطُ فِي الْإِيمَانِ اعْتِقَادُ ذَلِكَ وَلَا يَكُونُ مُؤْمِنًا إلَّا بِهِ حَتَّى يَجِبَ عَلَيْهِ تَحْصِيلُ سَبَبِهِ فَإِنَّ الْعَامِّيَّ لَوْ أَقَامَ دَهْرَهُ لَا يَعْتَقِدُ ذَلِكَ وَلَمْ يَخْطُرْ بِبَالِهِ وَلَا عَرَفَ شَيْئًا مِنْ الْأَدِلَّةِ الدَّالَّةِ عَلَيْهِ غَيْرَ أَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ كَانَ مُؤْمِنًا وَلَيْسَ بِعَاصٍ بِتَأْخِيرِ تَعَلُّمِهِ لِذَلِكَ أَوْ تَرْكِهِ إذَا قَامَ غَيْرُهُ بِهِ، وَقَوْلُ مَنْ قَالَ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ بِوُجُوبِ الْإِيمَانِ بِذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا قُلْنَاهُ فَإِنَّ الشَّرِيعَةَ كُلَّهَا وَجَمِيعَ مَا وَرَدَ فِيهَا يَجِبُ الْإِيمَانُ بِهِ إجْمَالًا وَأَمَّا تَفْصِيلًا فَمِنْهُ مَا يَجِبُ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ وَهُوَ مَا لَا يَصِيرُ الْعَبْدُ مُؤْمِنًا إلَّا بِهِ وَمَا يَعُمُّ وُجُوبُهُ لِجَمِيعِ الْمُكَلَّفِينَ كَالصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا، وَمِنْهُ مَا لَيْسَ كَذَلِكَ فَلَا يَجِبُ إلَّا عَلَى مَنْ احْتَاجَ إلَيْهِ أَوْ مَنْ عَلِمَ بِدَلِيلِهِ وَهَذَا مِنْهُ، وَسَتَأْتِي زِيَادَةُ بَيَانٍ فِي ذَلِكَ.

قَالَ السَّائِلُ أَكْرَمَهُ اللَّهُ: مَا الدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ؟ أَقُولُ: الدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ: أَمَّا الْكِتَابُ فَآيَاتٌ مِنْهَا قَوْله تَعَالَى {لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} [الفرقان: ١] وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُفَسِّرُونَ عَلَى دُخُولِ الْجِنِّ فِي ذَلِكَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَمَعَ ذَلِكَ هُوَ مَدْلُولُ لَفْظِهَا فَلَا يُخْرَجُ عَنْهُ إلَّا

<<  <  ج: ص:  >  >>