[فَصْلٌ التَّرْمِيمِ وَالْإِعَادَةِ]
(فَصْلٌ) قَدْ بَقِيَ مِنْ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ شَيْءٌ نُفْرِدُ لَهُ بَابًا لِأَنَّهُ فِي التَّرْمِيمِ وَالْإِعَادَةِ وَهُمَا الْمَقْصُودُ مِنْ هَذَا التَّصْنِيفِ: (بَابُ التَّرْمِيمِ وَالْإِعَادَةِ) قَالَ الرَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَحَيْثُ قُلْنَا لَا يَجُوزُ الْإِحْدَاثُ وَجَوَّزْنَا إبْقَاءَ الْكَنِيسَةِ فَلَا مَنْعَ مِنْ عِمَارَتِهَا. قُلْت جَزَمَ الرَّافِعِيُّ بِذَلِكَ وَلَيْسَ كَمَا قَالَ فَقَدْ حَكَى الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ الْخِلَافَ فِيهِ، وَنَصُّ كَلَامِهِ: " وَكُلُّ مَوْضِعٍ أَقْرَرْنَاهُمْ عَلَى بِيعَةٍ أَوْ كَنِيسَةٍ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَإِنْ انْهَدَمَتْ أَوْ انْهَدَمَ شَيْءٌ مِنْهَا فَهَلْ لَهُمْ أَنْ يُجَدِّدُوا أَوْ يُصْلِحُوا؟ فِيهِ وَجْهَانِ.
قَالَ الْإِصْطَخْرِيُّ: لَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ لِمَا رَوَيْنَا عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ كَتَبَ فِي كِتَابِهِ وَأَنْ لَا يُجَدِّدُوا مَا خَرِبَ مِنْهَا. وَالْوَجْهُ الْآخَرُ وَهُوَ الْمَذْهَبُ أَنَّ لَهُمْ ذَلِكَ لِأَنَّا قَدْ أَقْرَرْنَاهُمْ عَلَى التَّبْقِيَةِ وَلَوْ مَنَعْنَا الْعِمَارَةَ لَمَنَعْنَا التَّبْقِيَةَ وَنَقَلْت ذَلِكَ مِنْ تَعْلِيقَتِهِ الَّتِي بِخَطِّ سُلَيْمٍ صَاحِبِهِ، وَلَمْ يَقِفْ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَلَى ذَلِكَ وَظَنَّ أَنَّ التَّرْمِيمَ جَائِزٌ بِلَا خِلَافٍ كَمَا أَوْهَمَهُ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ فَقَالَ فِي قَوْلِ التَّنْبِيهِ: وَلَا يُمْنَعُونَ مِنْ إعَادَةِ مَا اسْتُهْدِمَ مِنْهَا وَقِيلَ يُمْنَعُونَ فَجَعَلَ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ مِنْهَا لِلْكَنَائِسِ وَأَنَّ الْكَنِيسَةَ اسْتُهْدِمَتْ كُلَّهَا.
وَالصَّوَابُ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي كَلَامِ صَاحِبِ التَّنْبِيهِ يَعُمُّ الْمُسْلِمِينَ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَالتَّنْبِيهِ هُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ تَعْلِيقَةِ أَبِي الطَّيِّبِ يُوَافِقُهُ غَالِبًا، وَقَدْ يَكُونُ فِي الْكِتَابَيْنِ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ كَمَا دَلَّنِي اسْتِقْرَاءُ كَلَامِهِمَا.
وَقَوْلُ الرَّافِعِيِّ وَجَوَّزْنَا إبْقَاءَ الْكَنِيسَةِ فِيهِ تَسَمُّحٌ وَهُوَ مِنْ النَّمَطِ الَّذِي قَدَّمْت فِي أَوَّلِ هَذَا الْكِتَابِ أَنَّ بَعْضَ الْفُقَهَاءِ فِي التَّصَانِيفِ قَدْ يَتَسَمَّحُونَ فِيهِ فَإِنَّ الْجَوَازَ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ وَالشَّرْعُ لَمْ يَرِدْ بِإِبْقَاءِ الْكَنِيسَةِ وَإِنَّمَا مُرَادُهُ عَدَمُ الْمَنْعِ، وَكَذَلِكَ الشَّيْخُ فِي الْمُهَذَّبِ قَالَ مَا جَازَ تَرْكُهُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ هَلْ يَجُوزُ إعَادَتُهُ؟ وَجْهَانِ وَهُوَ أَيْضًا مَحْمُولٌ عَلَى مَا قُلْنَاهُ وَحَسْبُهُ مُقَابَلَتُهُ لِلتَّرْكِ بِالْإِعَادَةِ فَدَلَّ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ تَقْدِيرُهُ هَلْ يَجُوزُ لَنَا تَرْكُهُ يَعْبُدُونَهُ لِأَنَّهُ لَا شَكَّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَنَا إعَادَتُهَا، وَكَذَلِكَ قَوْلُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ أَنَّ لَهُمْ ذَلِكَ فَإِنَّ لَهُمْ يَقْتَضِي أَنَّهُ مَمْلُوكٌ أَوْ مُسْتَحَقٌّ أَوْ مُبَاحٌ وَلَيْسَتْ وَاحِدٌ مِنْ ذَلِكَ ثَابِتًا لَهُمْ وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ تَرْكُنَا لَهُمْ، وَسُكُوتُنَا عَنْهُمْ، وَكَذَا قَوْلُ الْمِنْهَاجِ فِيمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute