الْمُعْتَبَرَةِ، وَهَذِهِ الْأُمُورُ لَا تَرَدُّدَ فِيهَا، وَلَا رِيبَةَ نَعَمْ تَرَدَّدَ الْأَصْحَابُ فِي شَاةٍ فِي يَدِ رَجُلٍ حَكَمَ لَهُ بِهَا حَاكِمٌ وَسَلَّمَهَا إلَيْهِ وَلَمْ يَعْلَمْ سَبَبَ حُكْمِهِ وَقَامَتْ بَيِّنَةٌ أَنَّهَا لِغَيْرِهِ عَلَى وَجْهَيْنِ ذَكَرَهُمَا ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ، وَقَالَ: أَقْيَسُهُمَا لَا يُنْقَضُ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَدَّمَ بَيِّنَةَ الْخَارِجِ وَيَجُوزُ أَنْ لَا يَكُونَ ثَبَتَ عِنْدَهُ عَدَالَةُ الْبَيِّنَةِ الْأُخْرَى فَلَا يُنْقَضُ بِالشَّكِّ، فَإِذَا كَانَ هَذَا فِي مَحَلِّ الِاحْتِمَالِ فَكَيْفَ فِي مَحَلٍّ لَا احْتِمَالَ فِيهِ.
فَإِنْ قُلْت: فَمَنْعُكُمْ مِنْ النَّقْضِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي طَوَّلْتُمْ بِالْبَحْثِ فِيهَا هَلْ هُوَ مِنْ مَظَانِّ الِاجْتِهَادِ حَتَّى إذَا حَكَمَ حَاكِمٌ بِالنَّقْضِ فِيهَا يَنْفُذُ وَلَا يُنْقَضُ، أَوْ لَا؟
قُلْت: لَيْسَ مِنْ مَحَلِّ الِاجْتِهَادِ؛ لِأَنَّ امْتِنَاعَ نَقْضِ حُكْمِ الْحَاكِمِ فِي مَظَانِّ الِاجْتِهَادِ مَعْلُومٌ، وَهَذِهِ الشُّبَهُ ضَعِيفَةٌ لَا تَقْدَحُ، فَالْحَاكِمُ الَّذِي يُقْدِمُ عَلَى نَقْضِ ذَلِكَ إنْ أَقْدَمَ بِغَيْرِ دَلِيلٍ قَطَعْنَا بِخَطَئِهِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ بِغَيْرِ دَلِيلٍ خَطَأٌ قَطْعًا فَيُنْقَضُ، وَإِنْ قَدَّمَ مُسْتَنِدًا إلَى دَلِيلٍ لَمْ يَسْتَفْرِغْ فِيهِ وُسْعَهُ فَكَذَلِكَ، وَإِنْ اسْتَفْرَغَ وُسْعَهُ وَأَدَّاهُ اجْتِهَادُهُ إلَى ذَلِكَ كَانَ الْإِثْمُ مَرْفُوعًا عَنْهُ لَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ فَالْحَاكِمُ بِسَائِرِ الْمَدَارِكِ الضَّعِيفَةِ.
فَهَذَا مَا ظَهَرَ لِي فِي ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ صَوَابًا فَمِنْ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِنْ كَانَ خَطَأً فَمِنِّي وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمَسْئُولُ أَنْ يَجْعَلَ عِلْمَنَا وَعَمَلَنَا خَالِصًا لِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ وَصَلَّى اللَّهُ لِكَمَالِ إجْلَالِك عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ خَاتَمِ النَّبِيِّينَ وَسَيِّدِ الْعَالَمِينَ فِي كُلِّ نَسِيمٍ وَنَفَسٍ وَلَحْظَةٍ دَائِمًا أَبَدًا مَا بَقِيَ مُلْكُك يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ وَعَلَى جَمِيعِ النَّبِيِّينَ، وَالْمُرْسَلِينَ وَمَلَائِكَتِك أَجْمَعِينَ وَعَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ انْتَهَى. نُقِلَ مِنْ خَطِّ الشَّيْخِ الْإِمَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -.
(مَسْأَلَةٌ) رَجُلٌ أَقَرَّ بِأَنَّ عِنْدِي ثَلَاثَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ لِفُلَانٍ وَدِيعَةً أَتَّجِرُ لَهُ فِيهَا وَبَعْدَ شَهْرٍ مِنْ إقْرَارِهِ تُوُفِّيَ فَجْأَةً وَوُجِدَ فِي تَرِكَتِهِ ذَهَبٌ وَقُمَاشٌ وَلَمْ تُوجَدْ دَرَاهِمُ هَلْ يَجِبُ وَفَاؤُهَا مِنْ تَرِكَتِهِ، أَوْ لَا؟
(الْجَوَابُ) إذَا وُجِدَ فِي تَرِكَتِهِ مَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ اُشْتُرِيَ بِذَلِكَ وَجَبَ أَنْ يُوَفَّى مِنْ تَرِكَتِهِ مِقْدَارُ رَأْسِ الْمَالِ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ الصَّلَاحِ فِي مَالِ الْقِرَاضِ، وَهَذَا مِثْلُهُ فَإِنَّهُ إبْضَاعٌ وَلَا يَضُرُّ قَوْلُهُ فِي صَدْرِ كَلَامِهِ: إنَّهُ وَدِيعَةٌ لِأَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ مُرَادَهُ أَنَّهَا لَيْسَتْ فِي ذِمَّتِهِ وَلَا مَضْمُونَةٌ جَمْعًا بَيْنَ أَوَّلِ كَلَامِهِ وَآخِرِهِ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِمَا لَا يُصَيِّرُهَا مَضْمُونَةً ثُمَّ أَقَرَّ بِمَا يُصَيِّرُهَا مَضْمُونَةً أَخَذْنَا بِالثَّانِي كَسَائِرِ الْأَقَارِيرِ وَلَيْسَ هَذَا كَتَعْقِيبِ الْإِقْرَارِ بِمَا يَرْفَعُهُ بَلْ هَذَا عَكْسُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى.
[مَسْأَلَةٌ فِيمَنْ أَقَرَّ بِوَلَاءٍ ثُمَّ ظَهَرَ مَكْتُوبٌ بِإِقْرَارِهِ قَبْلَ ذَلِكَ بِأَخٍ]
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute