مَنْ فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَفَاسِدُ عِرْضٍ.
وَإِذَا كُنَّا نَرْسُمُ عَلَى الْمُبْطِلِ وَنَحْبِسُهُ وَنُعَاقِبُهُ حَتَّى نُخَلِّصَ الْحَقَّ مِنْهُ وَنَرُدَّهُ عَنْ ظُلْمِهِ وَبَاطِلِهِ بِكُلِّ مَا نَقْدِرُ عَلَيْهِ فَكَيْفَ بِكِتَابَةٍ عَلَى أَوْرَاقٍ فِيهَا اتِّبَاعُ أَمْرِ اللَّهِ وَالِانْقِيَادُ لِحُكْمِ اللَّهِ وَالشَّهَادَةِ لِلَّهِ تَعَالَى قَالَ تَعَالَى: {وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ} [الطلاق: ٢] انْتَهَى.
قَالَ سَيِّدُنَا وَلَدُهُ قَاضِي الْقُضَاةِ أَبُو نَصْرٍ سَلَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَشْهَدُ لِمَا قَالَهُ الشَّيْخُ الْإِمَامُ قَوْلُ الصَّيْمَرِيِّ فِيمَا إذَا رَأَى عَلَى فُتْيَا جَوَابَ مَنْ لَا يَصْلُحُ لِلْفُتْيَا أَنَّ لَهُ أَنْ يَضْرِبَ عَلَيْهِ بِإِذْنِ صَاحِبِ الرُّقْعَةِ وَبِغَيْرِ إذْنِهِ، وَقَوْلُ الْأَصْحَابِ بِالْحَجْرِ الْغَرِيبِ، وَهُوَ الْحَجْرُ عَلَى الْبَائِعِ فِي الْمَبِيعِ وَسَائِرِ أَمْوَالِهِ عَلَى الصَّحِيحِ فَإِنَّا نَحْجُرُ عَلَيْهِ فِي مَالٍ لَا تَعَلُّقَ لِأَحَدٍ بِهِ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ الْحَقِّ فَكَذَلِكَ يَنْبَغِي خَصْمُ الْمَكْتُوبِ الْبَاطِلِ إذَا لَمْ يَرْضَ صَاحِبُهُ أَنْ يَنْقَادَ إلَى الْحَقِّ وَكَذَلِكَ حَبْسُ الْقَاتِلِ إلَى أَنْ يَبْلُغَ الصَّبِيُّ أَوْ يَعْقِلَ الْمَجْنُونُ خَوْفًا مِنْ أَنْ يَهْرَبَ فَيَضِيعَ الْحَقُّ وَقْتَ الِاسْتِيفَاءِ فَإِذَا عُوقِبَ بِالْحَبْسِ خَوْفًا عَلَى حَقٍّ قَدْ يَضِيعُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ مَعَ أَنَّهُ بِصَدَدِ أَنْ لَا يَسْتَمِرَّ ثُبُوتُهُ إلَى ذَلِكَ الْوَقْتِ فَلَأَنْ يَخْصِمَ وَرِقَهُ خَوْفًا مِنْ الْعُدْوَانِ بِهَا فِي الْحَالِ أَوْلَى وَأَجْدَرُ، وَكَذَلِكَ قَالُوا إذَا اُبْتُلِيَ الْقَاضِي بِظَالِمٍ يُرِيدُ مَا لَا يَجُوزُ وَاحْتَاجَ إلَى مُلَايَنَتِهِ يَكْتُبُ لَهُ مَا يُوهِمُهُ أَنَّهُ أَسْعَفَهُ بِمَطْلُوبِهِ وَإِنْ كَانَ الْمَكْتُوبُ فِي الْحَقِيقَةِ يَضُرُّهُ وَلَوْ عَلِمَ صَاحِبُ الرُّقْعَةِ أَنَّ الْمَكْتُوبَ ضَرَرٌ عَلَيْهِ يُمْنَعُ مِنْهُ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَأْذَنَ فِيهِ. وَبِالْجُمْلَةِ شَوَاهِدُ مَا قَالَهُ فِي الْفِقْهِ كَثِيرَةٌ.
[مَسْأَلَةٌ الْحَاكِمَ إذَا رُفِعَ إلَيْهِ حُكْمٌ لَا يَرَاهُ]
(مَسْأَلَةٌ) نَصَّ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى أَنَّ الْحَاكِمَ إذَا رُفِعَ إلَيْهِ حُكْمٌ لَا يَرَاهُ أَنَّهُ يَعْرِضُ عَنْهُ وَلَا يُنَفِّذُهُ، وَذَكَرُ الْأَصْحَابُ وَجْهًا آخَرَ أَنَّهُ يُنْفِذُهُ وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ وَأَنَا أَخْتَارُ التَّفْصِيلَ، وَهُوَ أَنَّ مَا لَا يَرَاهُ إنْ كَانَ مِمَّا عُرِفَ اخْتِلَافُ الْعُلَمَاءِ فِيهِ وَاسْتَقَرَّتْ الْمَذَاهِبُ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَ الْحَاكِمِ دَلِيلٌ عَلَى خَطَئِهِ إمَّا لِقُصُورِ الْحَاكِمِ عَنْ الِاجْتِهَادِ حَيْثُ يَجُوزُ لِمِثْلِهِ أَنْ يَكُونَ حَاكِمًا، وَإِمَّا لِقُوَّةِ الِاخْتِلَافِ وَتَفَاوُتِ الْمَأْخَذِ عِنْدَهُ فَإِنَّهُ يُنَفِّذُهُ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ الْإِعْرَاضِ عَنْهُ بُطْلَانُ حَقِّ الْمَحْكُومِ لَهُ.
وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا لَا يُمْكِنُ نَقْضُهُ فَدَعَتْ الضَّرُورَةُ إلَى التَّنْفِيذِ. وَأَمَّا إذَا كَانَ لَا يَرَاهُ مِمَّا يُعْتَقَدُ خَطَؤُهُ أَوْ يَقْرُبُ عِنْدَهُ ذَلِكَ أَمَّا فِيمَا اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ لِقُوَّةِ نَظَرِ الْقَاضِي حَيْثُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute