فَذَاكَ الَّذِي يُرْجَى لِإِيضَاحِ مُشْكَلٍ ... وَيَقْصِدُ لِلتَّجْرِيدِ مَدَّ عِيَانِي
وَكَمْ لِي فِي الْآيَاتِ حُسْنُ تَدَبُّرٍ ... بِهِ اللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ حَبَانِي
تُجَاهَ رَسُولِ اللَّهِ قَدْ نِلْت كُلَّ مَا ... أَتَى وَسَيَأْتِي دَائِمًا بِأَمَانِ
فَصَلَّى عَلَيْهِ اللَّهُ مَا ذَرَّ شَارِقٌ ... وَسَلَّمَ مَا دَامَتْ لَهُ الْمَلَوَانِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَوْله تَعَالَى {وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ} [مريم: ١٥] وَقَوْلُ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - {وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ} [مريم: ٣٣] يَسْأَلُ عَنْهُ أَنَّهُ إنْ كَانَ السَّلَامُ إنْشَاءً فَالْإِنْشَاءُ كَيْفَ يَتَعَلَّقُ بِالْمَاضِي وَ {يَوْمَ وُلِدْتُ} [مريم: ٣٣] مَاضٍ وَالْإِنْشَاءُ لَا يَتَعَلَّقُ بِزَمَانٍ أَصْلًا وَمُتَعَلَّقُهُ قَدْ يَكُونُ فِي الْحَالِ أَوْ الْمُسْتَقْبَلِ. وَأَمَّا الْمَاضِي فَلَا. وَاَلَّذِي خَطَرَ لِي فِي الْجَوَابِ: أَنَّهُ قَدْ يُرَادُ بِهَذِهِ الْأَزْمِنَةِ الثَّلَاثَةِ عُمُومُ الْأَحْوَالِ كُلِّهَا كَأَنَّهُ قَالَ: كُلُّ وَقْتٍ وَالْمُرَادُ التَّعَلُّقُ لَا نَفْسُ الْإِنْشَاءِ انْتَهَى.
[قَوْله تَعَالَى وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إسْمَاعِيلَ إنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ]
(آيَةٌ أُخْرَى) قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ لَمَحْتهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ أَسْمَعَهَا مِنْ أَحَدٍ قَوْله تَعَالَى {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ} [مريم: ٥٤] الْآيَةَ، فَكَّرْت مِنْ مُدَّةٍ طَوِيلَةٍ وَأَنَا بِدِيَارِ مِصْرَ فِي إفْرَادِهِ عَنْ أَبِيهِ وَأَخِيهِ وَالْفَصْلِ بَيْنَهُمَا بِقِصَّةِ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَوَقَعَ فِي خَاطِرِي أَنَّهُ لِكَوْنِهِ جَدُّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذُكِرَ مُسْتَقِلًّا بِنَفْسِهِ تَعْظِيمًا لِقَدْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفَكَّرْت الْآنَ فِيهِ بِالتِّلَاوَةِ فَلَمَحْت ذَلِكَ وَزِيَادَةً عَلَيْهِ وَهِيَ الصِّفَاتُ الَّتِي أَثْنَى عَلَيْهِ بِهَا. وَمِنْ جُمْلَتِهَا وَهُوَ خِتَامُهَا {وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا} [مريم: ٥٥] وَالْمَرَضِيُّ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ الصَّفْوَةُ وَالْخُلَاصَةُ وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُصْطَفًى مِنْهُ. وَمِنْ جُمْلَتِهَا {وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ} [مريم: ٥٥] وَإِذَا كَانَ أَهْلُهُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَهُوَ بِصِفَةِ صِدْقِ الْوَعْدِ وَالرِّسَالَةِ وَالنُّبُوَّةِ وَهُمَا أَعْنِي إسْمَاعِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَأَهْلَهُ أَصْلًا فِي غَايَةِ الزَّكَاءِ وَالْخَيْرِ فَهُوَ وَأَهْلُهُ جُرْثُومَةُ نُورٍ نَشَأَ مِنْهَا أَعْظَمُ مِنْهَا، وَهُوَ النُّورُ الْأَعْظَمُ خَاتَمُ النَّبِيِّينَ وَسَيِّدُ الْمُرْسَلِينَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - انْتَهَى.
[قَوْله تَعَالَى كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا إنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا]
(آيَةٌ أُخْرَى) قَوْله تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ مُوسَى {كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا - وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا} [طه: ٣٣ - ٣٤] {إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا} [طه: ٣٥] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: مَعْنَى (كُنْت) فِي الْأَزَلِ وَلَمْ تَزَلْ، فَأَنْتَ تَعْلَمُ مُبْتَدَأَ أَمْرِنَا وَتَفَاصِيلِهِ كُلِّهَا مِنْ أَوَّلِ عُمْرِنَا إلَى آخِرِهَا. بَصِيرٌ بِهَا لَا يَخْتَصُّ عِلْمُك بِالْوَقْتِ الْحَاضِرِ. فَهَذِهِ فَائِدَةُ إدْخَالِ " كَانَ " وَقَوْلُهُ " بِنَا " أَيْ بِي وَبِأَخِي هَارُونَ. وَفِيهِ ثَلَاثَةُ مَعَانٍ: أَحَدُهَا تَعْلَمُ أَنَّا نُسَبِّحُك كَثِيرًا وَنَذْكُرُك كَثِيرًا وَكَذَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا وَإِنَّا لَمْ نَزَلْ كَذَلِكَ فِي الْمَاضِي فَكَذَلِكَ نَكُونُ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute