تَصْحِيحٍ سَحَبَ عَلَيْهَا حُكْمَ الْمَسْأَلَتَيْنِ، وَلَمْ يَرَ أَنَّ قَوْلَ الرَّافِعِيِّ فِي الْبَيْعِ الْقِيَاسُ الصِّحَّةُ، وَلَعَلَّ بِهَا قَطَعَ الْإِمَامُ، وَشَيْخُهُ مُعَارِضًا لِذَلِكَ لِمَا يُشْعِرُ بِهِ قَوْلُ الْبَغَوِيِّ، وَغَيْرِهِ مِنْ أَنَّهُمْ الْأَكْثَرُونَ فَهَذَا هُوَ الْحَامِلُ لِعَبْدِ الْغَفَّار، وَهُوَ حُسْنُ تَصَرُّفٍ مِنْهُ فِيمَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ مِنْ جَمِيعِ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ، وَلَوْ نَظَرَ فِي الْمَعْنَى الْمُقْتَضِي لِذَلِكَ، وَمَا يَقْتَضِيه الْفِقْهُ، وَقَاعِدَةُ الْمَذْهَبِ، وَاطَّلَعَ عَلَى كَلَامِ الْأَصْحَابِ، وَعَرَفَ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ فِي الْكِتَابِ لَمَا قَالَ ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ، وَلَعَلَّ مُرَادَ الرَّافِعِيِّ بِغَيْرِ الْبَغَوِيِّ الْمُتَوَلِّي فَإِنَّهُ فِي التَّتِمَّةِ كَذَلِكَ كَمَا فِي التَّهْذِيبِ عِنْدَ تَفْسِيرِ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ، وَالْكَلَامُ عَلَيْهِ كَمَا مَرَّ، وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُمَا مَا فُهِمَ مِنْ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ فَهُمَا مُوَافِقَانِ لِمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ شَيْخِهِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ فِي الرَّهْنِ، وَالْقَاضِي قَدْ بَيَّنَ مَأْخَذَهُ مِنْ الْقِيَاسِ عَلَى وَفَاءِ الدَّيْنِ، وَقَدْ تَبَيَّنَ الْفَرْقُ، وَبِهِ يَتَبَيَّنُ ضَعْفُ مَا قَالَهُ الثَّلَاثَةُ، وَحَاوَلَ شَيْخُنَا ابْنُ الرِّفْعَةِ إثْبَاتَ مَا قَالَهُ الْمُزَنِيّ مِنْ جِهَةِ صِحَّةِ تَعْلِيقِ الْإِبْرَاءِ فِي الْقَدِيمِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ جَوَابُهُ، وَحَقِيقَتُهُ تَعْلِيقُ الْإِبْرَاءِ عَنْ حَقِيقَةِ الْمُعَارَضَةِ، وَالصُّلْحِ، وَالْأَصْحَابُ إنَّمَا تَكَلَّمُوا فِي ذَلِكَ، وَذَكَرَ الرَّافِعِيُّ أَنَّهُ لَوْ قَالَهُ فِي بَعْضِ الْمُسَلَّمِ فِيهِ لِيُعَجِّلَ الْبَاقِيَ، أَوْ عَجَّلَ بَعْضَهُ لِيُقِيلَهُ فِي الْبَاقِي فَهِيَ فَاسِدَةٌ.
وَهَذَا يَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى مَا صَوَّرْنَاهُ فِي الْمُكَاتَبِ، وَأَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ إذَا صَدَرَتْ الْإِقَالَةُ، وَالتَّعْجِيلُ عَلَى نَعْتِ عُقُودِ الْمُعَارَضَةِ فَلَوْ تَأَخَّرَتْ الْإِقَالَةُ، وَابْتَدَأَ بِهَا فَلَا بُدَّ مِنْ التَّفْصِيلِ بَيْنَ عَمَلِهِ بِفَسَادِ الشَّرْطِ، أَوْ لَا، وَأَنَّهُ إنْ عَلِمَ صِحَّتَهُ، وَإِلَّا فَكَذَلِكَ فِي الْأَصَحِّ عَلَى قِيَاسِ مَا قُلْنَاهُ فِي الْبَيْعِ، وَالرَّهْنِ، وَالْإِبْرَاءِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى.
[بَابُ الضَّمَانِ]
(بَابُ الضَّمَانِ) (مَسْأَلَةٌ) رَجُلٌ أَقَرَّ بِدَيْنٍ لِشَخْصٍ، وَكَتَبَ الشُّهُودُ فِي الْمَسْطُورِ، وَحَضَرَ فُلَانٌ، وَفُلَانٌ، وَضَمِنَا فِي ذِمَّتِهِمَا مَا فِي ذِمَّةِ الْمُقِرِّ الْمَذْكُورِ فَهَلْ يُطَالَبُ كُلٌّ مِنْ الضَّامِنَيْنِ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ، أَوْ لَا يُطَالَبُ كُلٌّ مِنْهُمَا إلَّا بِالنِّصْفِ؟
(الْجَوَابُ) يُطَالَبُ كُلٌّ مِنْهُمَا بِجَمِيعِ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ وَثِيقَةٌ كَالرَّهْنِ، وَالرَّهْنُ يَتَعَلَّقُ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ فَكَذَلِكَ الضَّمَانُ، وَلَيْسَ كَالْبَيْعِ، وَنَحْوِهِ حَيْثُ يُحْمَلُ عَلَى التَّنْصِيفِ لِعَدَمِ إمْكَانِ كَوْنِ كُلٍّ مِنْهُمَا مُشْتَرِيًا لِلْجَمِيعِ، أَوْ بَائِعًا لِلْجَمِيعِ وَلِأَنَّ مَا فِي ذِمَّتِهِمَا لَفْظٌ عَامٌّ فَيَعُمُّ كُلَّ جُزْءٍ فَيَكُونَا ضَامِنَيْنِ لِكُلِّ جُزْءٍ مِنْهُ، وَمِنْ ضَرُورَةِ ذَلِكَ مُطَالَبَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا بِالْجَمِيعِ، وَلِأَنَّ حَقِيقَتَهُ نِسْبَةُ ضَمَانِ ذَلِكَ إلَيْهِمَا نَسَبْته لِكُلٍّ مِنْهُمَا، وَقَدْ نَقَلَ الْمُتَوَلِّي أَنَّ الْمَسْأَلَةَ فِي التَّتِمَّةِ فِي كِتَابِ الضَّمَانِ فَقَالَ: رَجُلٌ لَهُ عَلَى آخَرَ دَيْنٌ مَعْلُومٌ، وَحَضَرَ رَجُلَانِ، وَقَالَا: ضَمِنَّا مَالَك عَلَى فُلَانٍ هَلْ يُطَالَبُ كُلٌّ مِنْهُمَا بِجَمِيعِ الدَّيْنِ أَمْ لَا؟ فِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا يُطَالَبُ كُلٌّ مِنْهُمَا بِنِصْفِهِ كَمَا لَوْ قَالَا: اشْتَرَيْنَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute