للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَسَاكِينِ بَعْدَ مَوْتِي " وَالظَّرْفُ كَالشَّرْطِ، فَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِتَمَامِ الْوَقْفِ، وَهُوَ صِحَّتُهُ فَلَا يَصِحُّ الْوَقْفُ إلَّا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَإِنْشَاؤُهُ عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ حَاصِلٌ الْآنَ كَمَا أَنَّ إنْشَاءَ الْعِتْقِ فِي التَّدْبِيرِ حَاصِلٌ الْآنَ، وَلَا يَقَعُ الْعِتْقُ إلَّا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَنَقَلَ الْإِمَامُ أَنَّ إيقَاعَ مَصْرِفٍ بَعْدَ الْمَوْتِ يَتَعَلَّقُ بِبَحْثٍ.

وَهُوَ أَنَّ الطَّلَاقَ فِي قَوْلِهِ: إنْ دَخَلْت فَأَنْتِ طَالِقٌ إذَا دَخَلْت هَلْ هُوَ بِالتَّعْلِيقِ السَّابِقِ وَالشَّرْطُ الدُّخُولُ، أَوْ بِالدُّخُولِ، وَيَكُونُ بِالتَّعْلِيقِ بِصِيغَتِهِ سَبَبًا، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ مَذْهَبِنَا وَمَذْهَبِ مَالِكٍ، وَالثَّانِي مَنْقُولٌ عَنْ الْحَنَفِيَّةِ يَقُولُونَ: إنَّهُ يُجْعَلُ عِنْدَ الدُّخُولِ مُطْلَقًا حُكْمًا وَتَقْدِيرًا كَأَنَّهُ أَنْشَأَ التَّطْلِيقَ ذَلِكَ الْوَقْتَ؛ وَأَصْحَابُنَا يَقُولُونَ: إنَّ التَّعْلِيقَ السَّابِقَ هُوَ الْمُوجِبُ لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ، فَيَكُونُ الطَّلَاقُ عِنْدَ الدُّخُولِ لَا بِهِ، وَكَلَامُ الْإِمَامِ هُنَا نَازِعٌ إلَى كَلَامِ الْحَنَفِيَّةِ وَالْأَوْلَى مَا نُقِلَ عَنْ أَصْحَابِنَا، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فِي الطَّلَاقِ، فَهُوَ فِي التَّدْبِيرِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ مُقْتَضَاهُ ثُبُوتُ الْعِتْقِ عِنْدَ الْمَوْتِ، وَحِينَئِذٍ يَزُولُ الْمِلْكُ عَنْ الْحَيِّ.

فَلَوْ كَانَ عَلَى قِيَاسِ التَّعَالِيقِ لَمَا وَقَعَ؛ لِأَنَّ الصِّفَةَ حَصَلْت فِي غَيْرِ الْمِلْكِ، وَإِذَا جَعَلْنَاهُ وَاقِعًا بِالتَّعْلِيقِ السَّابِقِ كَانَ أَوْلَى خُرُوجًا عَنْ الْقَاعِدَةِ وَتَعْلِيقُ الْوَقْفِ بِالْمَوْتِ كَتَعْلِيقِ الْعِتْقِ بِالْمَوْتِ، وَإِنْ كَانَ تَعْلِيقُ الْعِتْقِ بِالْمَوْتِ اخْتَصَّ بِاسْمٍ خَاصٍّ، وَهُوَ التَّدْبِيرُ، وَمَا حَمَلْنَا عَلَيْهِ مَسْأَلَةَ الْأُسْتَاذِ هُوَ أَحَدُ مَعَانٍ ثَلَاثَةٍ يَحْتَمِلُهَا اللَّفْظُ.

(أَحَدُهَا) هَذَا. (وَالثَّانِي) أَنْ يُرَادَ بَعْدَ الْمَوْتِ وَقَفْتهَا، وَهُوَ بَاطِلٌ كَقَوْلِهِ إنْ مِتُّ وَقَفْت.

(وَالثَّالِثُ) أَنْ يُرَادَ جَعَلْته مَوْقُوفًا الْآنَ عَلَى الْمَسَاكِينِ بَعْدَ مَوْتِي، وَهُوَ بَاطِلٌ إمَّا لِلتَّنَاقُضِ وَإِمَّا؛ لِأَنَّهُ مُنْقَطِعُ الْأَوَّلِ، وَلَمَّا احْتَمَلَ اللَّفْظُ هَذِهِ الْمَعَانِي الثَّلَاثَةَ وَكَانَ الثَّانِي، وَالثَّالِثُ يَقْتَضِيَانِ الْبُطْلَانَ حَمَلْنَاهُ عَلَى الْأَوَّلِ لِاقْتِضَائِهِ الصِّحَّةَ؛ وَلِأَنَّهُ الْمَفْهُومُ فِي الْعُرْفِ مَعَ كَوْنِ الْكَلَامِ مَهْمَا أَمْكَنَ حَمْلُهُ عَلَى الصِّحَّةِ كَانَ أَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى الْفَسَادِ، وَإِذَا قَالَ: إذَا مِتُّ فَهَذَا وَقْفٌ، أَوْ إذَا انْقَضَى شَهْرٌ بَعْدَ مَوْتِي فَهَذَا وَقْفٌ فَلَا إشْكَالَ فِي الصِّحَّةِ، وَإِذَا قَالَ: إنْ مِتُّ وَقَفْت فَلَا إشْكَالَ فِي الْبُطْلَانِ إلَّا إذَا نَوَى أَنَّهُ وَقْفٌ فَيَصِحُّ، وَيَكُونُ كِتَابَةً.

[فَرْعٌ التَّرْتِيبُ فِي الْمَصَارِفِ لَا فِي أَصْلِ الْوَقْفِ]

(فَرْعٌ) إذَا وَقَفَ عَلَى زَيْدٍ ثُمَّ عَلَى عَمْرٍو فَالتَّرْتِيبُ فِي الْمَصَارِفِ لَا فِي أَصْلِ الْوَقْفِ وَمَعْنَى هَذَا أَنَّ إنْشَاءَهُ الْوَقْفَ الْآنَ عَلَى الْبُطُونِ كُلِّهَا مَرْتَبَةً فَالتَّرْتِيبُ فِيهَا فِي الْإِنْشَاءِ لِأَنَّ الْإِنْشَاءَ لَا يَتَأَخَّرُ مَدْلُولُهُ عَنْ زَمَانِ النُّطْقِ بِهِ، وَلَوْ قَالَ: وَقَفْت ثُمَّ وَقَفْت كَانَا إنْشَاءَيْنِ لَا إنْشَاءً؛ لِأَنَّ الْإِنْشَاءَ لَا يَتَأَخَّرُ مَدْلُولُهُ عَنْ زَمَانِ النُّطْقِ بِهِ، وَلَوْ قَالَ: وَقَفْت ثُمَّ وَقَفْت كَانَا إنْشَاءَيْنِ لَا إنْشَاءً وَاحِدًا وَدَخَلَتْ " ثُمَّ " بَيَّنَ هَذَيْنِ الْإِنْشَاءَيْنِ كَمَا تَدْخُلُ فِي تَرْتِيبِ الْأَخْبَارِ حَيْثُ يُرَادُ مَعْنَى أُخْبِرُك

<<  <  ج: ص:  >  >>