(مَسْأَلَةٌ حَلَبِيَّةٌ) فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَثَلَاثِينَ وَسَبْعِمِائَةِ وَقَفَ عَلَى قُطْبِ الدِّينِ ثُمَّ وَلَدِهِ أَبِي الْفَتْحِ ثُمَّ نَسْلِهِ فَإِنْ مَاتَ أَبُو الْفَتْحِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ فَلِمَنْ يَحْدُثُ لِقُطْبِ الدِّينِ مِنْ الْأَوْلَادِ وَنَسْلِهِمْ فَإِنْ لَمْ يَحْدُثْ لِقُطْبِ الدِّينِ أَوْلَادٌ فَلِطَاهِرٍ وَعَبْدِ الْمَجِيدِ وَلَدَيْ قُطْبِ الدِّينِ وَنَسْلِهِمَا فَصَارَ الْوَقْفُ إلَى أَبِي الْفَتْحِ وَأَوْلَادِهِ ثُمَّ انْقَرَضَ نَسْلُ أَبِي الْفَتْحِ وَادَّعَى قَوْمٌ أَنَّهُمْ وَلَدُ رَجُلٍ حَدَثَ لِقُطْبِ الدِّينِ فَهَلْ الْوَقْفُ لَهُمْ أَوْ لِذُرِّيَّةِ طَاهِرٍ وَعَبْدِ الْمَجِيدِ وَإِنْ كَانَ لِذُرِّيَّةِ أَحَدِهِمَا فَهَلْ لَهُمْ جَمِيعُهُ أَوْ نِصْفُهُ إنْ شَرَطَهُ بَعْدَ انْقِرَاضِ وَرَثَةِ طَاهِرٍ وَعَبْدِ الْمَجِيدِ إلَى أَوْلَادِ الشَّهِيدِ عَبْدِ الرَّحِيمِ شِهَابِ الدِّينِ وَبَعْدَهُمْ لِلْفُقَرَاءِ.
(أَجَابَ) الشَّيْخُ الْإِمَامُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ هَذَا الْوَقْفُ الْحَلَبِيُّ فِيهِ مَوَاضِعُ تَحْتَاجُ إلَى النَّظَرِ:
(أَحَدُهَا) قَوْلُهُ: عَلَى قُطْبِ الدِّينِ ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِ عَلَى وَلَدِهِ أَبِي الْفَتْحِ عَبْدِ اللَّهِ ثُمَّ مِنْ بَعْدِ أَبِي الْفَتْحِ عَلَى أَوْلَادِهِ، صَرَّحَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ بِالْبَعْدِيَّةِ وَلَا شَكَّ أَنَّهَا أَصْرَحُ مِنْ أَنْ لَوْ قَالَ: ثُمَّ عَلَى وَلَدِهِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الْبَعْدِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَحْصُلُ التَّرْتِيبُ بِدُونِ الْبَعْدِيَّةِ بِأَنْ يَقُولَ: وَقَفْت عَلَى زَيْدٍ مَثَلًا مُدَّةَ كَذَا ثُمَّ عَلَى عَمْرٍو فَكَانَ ذِكْرُ الْبَعْدِيَّةِ نَصًّا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ التَّرْتِيبُ عَلَى الْوَفَاةِ.
وَفِيهِ فَائِدَةٌ أُخْرَى وَهِيَ شُمُولُ الْحُكْمِ لِزَمَانِ الْبَعْدِيَّةِ وَهُوَ مُتَّسِعٌ وَلْنَضْبِطْ هَذَا فَإِنَّ لَنَا قَصْدًا فِيهِ فِي النَّفْيِ الَّذِي يَأْتِي بَعْدَهُ لِيَكُونَ زَمَانُهُ مُتَّسِعًا فِي جَمِيعِ الْبَعْدِيَّةِ إذْ هُوَ مَحَلُّ الْبَحْثِ فِيمَا سَأَلَ عَنْهُ.
وَقَدْ يُرَدُّ عَلَى هَذَا أَنَّ " مِنْ " تَقْتَضِي الِابْتِدَاءَ وَذَلِكَ يُنَافِي التَّأْخِيرَ لَكِنَّا نَقُولُ: إنَّهَا كَمَا دَلَّتْ عَلَى الِابْتِدَاءِ اقْتَضَتْ الِاسْتِمْرَارَ فِي غَايَتِهَا إلَى حِينِ انْقِرَاضِهِمْ.
وَقَدْ يُقَالُ: كَيْفَ يُجْمَعُ بَيْنَ اقْتِضَاءِ " ثُمَّ " لِلتَّرَاخِي وَبَيْنَ الْحُكْمِ بِاسْتِحْقَاقِ الْبَطْنِ الثَّانِي عِنْدَ انْقِرَاضِ الْأَوَّلِ؟ وَالْجَوَابُ أَنَّهُ يَكْفِي فِي إفَادَتِهَا التَّرَاخِيَ اسْتِمْرَارُ الْحُكْمِ بَعْدَ الْوَفَاةِ كَثِيرًا وَتَأَخُّرُهُ مِنْ زَمَانِ الْوَقْفِ إلَى وَفَاةِ الْبَطْنِ الْأَوَّلِ وَعُلِمَ عَدَمُ تَأَخُّرِهِ عَنْ انْقِرَاضِ الْبَطْنِ الْأَوَّلِ مِنْ مُرَادِ الْوَاقِفِ بِالْقَرِينَةِ وَحَذَرًا مِنْ أَنْ يَكُونَ الْوَقْفُ مُنْقَطِعَ الْوَسَطِ.
(النَّظَرُ الثَّانِي) فِي قَوْلِهِ: ثُمَّ مِنْ بَعْدِ أَبِي الْفَتْحِ عَلَى أَوْلَادِهِ هَلْ يَحْتَاجُ إلَى تَقْدِيرٍ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ شَرْطًا فَيَقْتَضِيهِ الْحَالُ إلَّا أَنَّهُ لَا يَتَقَدَّرُ فِي اللَّفْظِ.
وَقَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ: وَعَلَى أَوْلَادِ أَوْلَادِهِ، سَوَاءٌ أَقَدَّرْنَا الشَّرْطَ أَمْ لَمْ نُقَدِّرْ لَا يَخْتَلِفُ الْحَالُ فِيهِ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ؛ لَكِنْ قَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَلَا وَلَدُ وَلَدٍ يَحْتَمِلُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute