[مَسْأَلَةٌ الْكِتَابَة عَلَى الْمَكَاتِيبِ الَّتِي يَظْهَرُ بُطْلَانُهَا بِغَيْرِ إذْنِ مَالِكِهَا]
مَسْأَلَةٌ) فِي الْكِتَابَةِ عَلَى الْمَكَاتِيبِ الَّتِي يَظْهَرُ بُطْلَانُهَا بِأَنَّهَا بَاطِلَةٌ بِغَيْرِ إذْنِ مَالِكِهَا وَقَدْ كَانَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ يَفْعَلُهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَعُوتِبَ مَرَّةً فِي وَاقِعَةِ كِتَابٍ مُتَعَلِّقٍ بِصِيغَةٍ مِنْ قُرَى بَعْلَبَكَّ وَهِيَ حُرَيْثًا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنْ قِيلَ مَا سَنَدُكُمْ فِي الْكِتَابَةِ عَلَى كِتَابِ بَعْلَبَكَّ؟ .
(فَالْجَوَابُ) أَنَّ مُسْتَنَدَنَا كِتَابُ اللَّهِ وَسُنَّةُ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ وَالْقِيَاسُ: أَمَّا كِتَابُ اللَّهِ، فَقَوْلُهُ تَعَالَى {لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ} [الأنفال: ٨] فَإِبْطَالُ الْبَاطِلِ مِنْ سُنَّةِ اللَّهِ فَكِتَابَتِي عَلَيْهِ بِالْإِبْطَالِ لِذَلِكَ. وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ» وَكِتَابَتِي عَلَيْهِ تَغْيِيرٌ بِيَدِي.
وَفِي الصَّحِيحِ «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ نَقُولَ أَوْ نَقُومَ بِالْحَقِّ حَيْثُمَا كُنَّا لَا نَخَافُ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ» فَكِتَابَتِي عَلَيْهِ مِنْ الْقِيَامِ بِالْحَقِّ.
وَقَالَ تَعَالَى {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ} [آل عمران: ١٨٧] فَكِتَابَتِي عَلَيْهِ مِنْ الْبَيَانِ لِلنَّاسِ.
وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ» وَالْكِتَابُ الزُّورُ: عِرْقٌ ظَالِمٌ فَتَجِبُ إزَالَتُهُ.
وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا رَأَيْتَ أُمَّتِي تَهَابُ الظَّالِمَ أَنْ تَقُولَ لَهُ أَنْتَ ظَالِمٌ فَقَدْ تُوُدِّعَ مِنْهُمْ» .
وَالْآثَارُ فِي ذَلِكَ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا. فَهَذَا مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ فَإِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ مَعَ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - عَلَى تَحْرِيقِ الْمَصَاحِفِ الْبَاطِلَةِ لِمَا فِيهَا مِنْ زِيَادَةٍ أَوْ نَقْصٍ عَلَى الْمُصْحَفِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ، فَإِذَا جَازَ تَحْرِيقُ الْكِتَابِ لِبَاطِلٍ فِيهِ فَالْكِتَابَةُ عَلَيْهِ بِالْإِبْطَالِ أَوْلَى، وَأَمَّا الْقِيَاسُ فَعَلَى خَصْمِ الْكُتُبِ فِي الِابْتِيَاعَاتِ وَالْأَوْقَافِ وَغَيْرِهَا حَتَّى لَا يَغْتَرَّ النَّاسُ بِهَا إذَا لَمْ يُكْتَبْ عَلَيْهَا فَكَانَ الْوَاجِبُ فِي هَذَا الْكِتَابِ بَيَانَ مَا فِيهِ وَهُوَ بِهِ عِنْدِي فِي هَذَا الْوَقْتِ أَوْلَى مِنْ إعْدَامِهِ؛ لِأَنَّ عِنْدَ إعْدَامِهِ قَدْ يَقُولُ قَائِلٌ كَانَ مَا فِيهِ حَقًّا، وَأَمَّا عِنْدَ وُجُودِهِ فَالْفَاضِلُ يَتَأَمَّلُهُ فَيَفْهَمُ بُطْلَانَهُ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُعْطَى لِمَنْ كَانَ فِي يَدِهِ لِأَمْرَيْنِ:
(أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِهِ وَقَدْ تَحْصُلُ مِنْهُ إزَالَةُ مَا كُتِبَ عَلَيْهِ وَيَلْتَبِسُ وَيُوَصِّلُ إلَى الْبَاطِلِ وَلَكِنْ يُحْفَظُ فِي سَلَّةِ الْحُكْمِ فَيَرَاهُ كُلُّ قَاضٍ يَأْتِي فَيَعْتَمِدُ الْحَقَّ وَيَجْتَنِبُ الْبَاطِلَ.
(وَالثَّانِي) أَنَّ مَا يَمْلِكُهَا مَنْ لَهُ فِيهَا حَقٌّ فَإِذَا بِيعَتْ الدَّارُ فَكَتَبَهَا يَنْتَقِلُ مِلْكُهَا