للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَإِلَّا فَلَا يَكْفِي الْقَاضِي لِاسْتِيفَاءِ الْحَدِّ. وَمِنْ جُمْلَةِ الشُّرُوطِ بِمَحَلِّ الِاتِّفَاقِ أَنَّهُ يَأْخُذُهُ دُفْعَةً وَاحِدَةً. وَمِنْ الشُّرُوطِ أَنْ لَا يَكُونَ عَبْدًا آبِقًا.

قَالَ مَالِكٌ عَنْ زُرَيْقِ بْنِ حَكِيمٍ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ أَخَذَ عَبْدًا آبِقًا قَدْ سَرَقَ مَالًا فَأَشْكَلَ عَلَيَّ أَمْرُهُ فَكَتَبْت فِيهِ إلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَسْأَلُهُ عَنْ ذَلِكَ وَهُوَ الْوَالِي يَوْمَئِذٍ وَأَخْبَرْته أَنِّي كُنْت أَسْمَعُ أَنَّ الْعَبْدَ إذَا سَرَقَ وَهُوَ آبِقٌ لَمْ تُقْطَعْ يَدُهُ فَكَتَبْت إلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بَعْضَ كِتَابِي يَقُولُ: إنَّك كَتَبْتَ إلَيَّ أَنَّكَ كُنْتَ تَسْمَعُ أَنَّ الْعَبْدَ الْآبِقَ إذَا سَرَقَ لَمْ تُقْطَعْ يَدُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ فِي كِتَابِهِ {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [المائدة: ٣٨] فَإِنْ بَلَغَتْ سَرِقَتُهُ رُبُعُ دِينَارٍ فَصَاعِدًا فَلْتُقْطَعْ يَدُهُ.

وَقَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ.

وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِمْ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَاللَّيْثِ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَدَاوُد وَجُمْهُورِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْأَخْبَارِ. وَإِنَّمَا وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي ذَلِكَ قَدِيمًا، ثُمَّ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَقَدْ رَوَى الزُّهْرِيُّ أَنَّ عُثْمَانَ وَمَرْوَانَ وَعُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَانُوا لَا يَقْطَعُونَ الْآبِقَ إذَا سَرَقَ وَقَالَتْ عَائِشَةُ لَيْسَ عَلَيْهِ قَطْعٌ. وَقَالَ سُفْيَانُ يُقْطَعُ لَيْسَ مَعْصِيَةُ اللَّهِ فِي إبَاقَتِهِ تُخْرِجُهُ مِنْ الْقَطْعِ، قَالَ ذَلِكَ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ عَتِيقِ بْنِ الْحُسَيْنِ وَسَيْفٌ فِي شَرْحِ الْمُوَطَّإِ الْمُخْتَارُ مِنْ التَّمْهِيدِ وَالِاسْتِذْكَارِ مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدًا لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ سَرَقَ وَهُوَ آبِقٌ فَأَرْسَلَ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ إلَى سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ وَهُوَ أَمِيرُ الْمَدِينَةِ لِيَقْطَعَ يَدَهُ فَأَبَى سَعِيدٌ أَنْ تُقْطَعَ يَدُهُ وَقَالَ: لَا تُقْطَعُ يَدُ الْآبِقِ إذَا سَرَقَ فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ: فِي أَيِّ كِتَابٍ وَجَدْت هَذَا، ثُمَّ أَمَرَ بِهِ ابْنُ عُمَرَ فَقُطِعَتْ يَدُهُ.

وَقَالَ أَبُو عُمَرَ فِيهِ: أَنَّ السَّيِّدَ لَا يَقْطَعُ يَدَ عَبْدِهِ فِي السَّرِقَةِ وَإِنْ اُخْتُلِفَ عَنْ مَالِكٍ فِي حَدِّ الزِّنَا فَلَمْ يُخْتَلَفْ عَنْهُ فِي حَدِّ السَّرِقَةِ؛ لِأَنَّ قَطْعَ السُّرَّاقِ إلَى السُّلْطَانِ فَلَمَّا لَمْ يَرَ ابْنُ عُمَرَ الْحَدَّ يُقَامُ عَلَى يَدِ السُّلْطَانِ وَرَآهُ حَدًّا مُعَطَّلًا قَامَ لِلَّهِ بِهِ انْتَهَى.

[بَابُ التَّعْزِيرِ]

(بَابُ التَّعْزِيرِ) (مَسْأَلَةٌ) التَّعْزِيرُ فِي الْمَسْجِدِ وَإِقَامَةُ الْحُدُودِ هَلْ يُكْرَهُ ذَلِكَ أَوْ يُبَاحُ مَعَ بَيَانِ دَلِيلِهِ؟ . الْحَمْدُ لِلَّهِ، جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى كَرَاهَةِ ذَلِكَ أَوْ تَحْرِيمِهِ: قَالَ الشَّافِعِيُّ أُحِبُّ أَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>