فِي تِلْكَ الْأَوْقَاتِ فِي تِلْكَ الْمَنْفَعَةِ الْمُسْتَأْجِرِ لِنَوْعِهَا الْمَقْدِرَةِ بِالزَّمَانِ هَلْ تَجِبُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ لِلْأَجِيرِ أَوْ لِلْمُسْتَأْجَرِ؟ هَذَا مِمَّا يَنْبَغِي النَّظَرُ فِيهِ وَسَوَاءٌ ثَبَتَ أَمْ لَا لَا يُعَكِّرُ عَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ وَقَفْت بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى كَلَامٍ لِلْبَغَوِيِّ شَاهِدٍ لِمَا قُلْته نَاصٌّ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَإِنَّهُ قَالَ فِي فَتَاوِيهِ فِيمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ عَبْدًا فَاسْتَعْمَلَهُ فِي أَوْقَاتِ الرَّاحَةِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أُجْرَةٌ زَائِدَةٌ؛ لِأَنَّ جُمْلَةَ الزَّمَانِ مُسْتَحَقَّةٌ وَتَرْكُهُ لِلرَّاحَةِ لِيَتَوَفَّرَ عَلَيْهِ عَمَلُهُ فَإِنْ اسْتَعْمَلَهُ لَيْلًا تَرَكَهُ لِلرَّاحَةِ نَهَارًا فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَدَخَلَهُ نَقْصٌ، وَجَبَ عَلَيْهِ أَرْشُ نَقْصِهِ كَمَا أَنَّ زَمَانَ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ تَرْكُهُ لِيُصَلِّيَ فَإِنْ اسْتَعْمَلَهُ فِيهَا لَا تَجِبُ عَلَيْهِ زِيَادَةُ أُجْرَةٍ وَعَلَيْهِ تَرْكُهُ لِقَضَاءِ الصَّلَوَاتِ.
فَهَذَا الْكَلَامُ مِنْ الْبَغَوِيِّ هُوَ نَصُّ مَا حَرَّرْته مِنْ الْبَحْثِ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ عَلَى إصَابَةِ الْحَقِّ.
[هَلْ تَدْخُلُ الذِّمِّيَّةُ فِي حَدِيثِ لَا تَحُدُّ الْمَرْأَةُ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثٍ]
(السُّؤَالُ الثَّالِثُ) فِي رَجُلٍ قَالَ: إنَّ الذِّمِّيَّةَ دَاخِلَةٌ فِي عُمُومِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تَحُدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثٍ إلَّا عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا» قَالَ: وَالذِّمِّيَّةُ مُؤْمِنَةٌ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَنَازَعَهُ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ فِي ذَلِكَ فَادَّعَى أَنَّ الْإِيمَانَ عَلَى قِسْمَيْنِ مُطْلَقٌ وَمُقَيَّدٌ فَأَهْلُ الذِّمَّةِ مُؤْمِنُونَ إيمَانًا مُقَيَّدًا، قَالَ: وَهَذَا قَوْلُ الْعُلَمَاءِ، فَسُئِلَ عَنْ قَائِلِهِ فَقَالَ: لَسْتُ مِمَّنْ يَحْتَاجُ إلَى إحْضَارِ النَّقْلِ لَا نِسْبَتِهِ إلَى مُعَيَّنٍ.
وَقَالَ: إنَّ الْكُفَّارَ إذَا قُلْنَا: إنَّهُمْ مُخَاطَبُونَ بِفُرُوعِ الشَّرَائِعِ بِمَعْنَى أَنَّهُمْ مُعَذَّبُونَ عَلَيْهَا فِي الْآخِرَةِ إذَا فَعَلُوهَا فِي الدُّنْيَا خَفَّفَ عَذَابَهَا فِي الْآخِرَةِ فَقِيلَ لَهُ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا} [فاطر: ٣٦] قَالَ: مَعْنَاهُ لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ تَخْفِيفًا يَجِدُونَهُ فَهَلْ هَذَا الْقَائِلُ مُصِيبٌ فِي هَذِهِ الْمَقَالَاتِ وَهَلْ يُعَضِّدُهُ قَوْلُ أَحَدٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ الْمُحَقِّقِينَ عَلَى ذَلِكَ وَإِذَا كَانَ مُخْطِئًا فِيهِ وَأَصَرَّ عَلَى اعْتِقَادِهِ مُظْهِرًا مُعْلِنًا بِهِ مَاذَا يَجِبُ عَلَيْهِ.
(الْجَوَابُ) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ} [التوبة: ٢٩]- الْآيَةَ فَقَدْ صَرَّحَ بِأَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ لَا يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالذِّمِّيَّةُ مِنْهُمْ فَهِيَ لَا تُؤْمِنُ، وَقَدْ قَالَ الْعُلَمَاءُ: إنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى وَإِنْ كَانُوا يَعْتَقِدُونَ الْآخِرَةَ وَلَكِنَّهُمْ يَعْتَقِدُونَهَا عَلَى غَيْرِ وَجْهِهَا فَلِذَلِكَ قِيلَ فِيهِمْ: إنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَكَذَلِكَ إيمَانُهُمْ بِاَللَّهِ تَعَالَى عَلَى غَيْرِ وَجْهِهِ فَالْقَائِلُ بِأَنَّ الذِّمِّيَّةَ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ غَيْرُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute