الشَّافِعِيِّ وَسَائِرِ الْأَصْحَابِ وَجُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ مَا عَدَا طَاوُوسًا.
فَإِنْ قَالَ الْغَزَالِيُّ بِذَلِكَ فَهُوَ مُنْفَرِدٌ بِهِ عَنْ الْأَصْحَابِ، وَأَمَّا طَرْدُهُ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْآفَاقِيَّ إذَا وَصَلَ إلَى مَا دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ يَكُونُ حَاضِرًا وَهَذَا قَدْ صَرَّحَ بِهِ، وَفِي تَلْوِيحِ كَلَامِ الْأَصْحَابِ وَتَصْرِيحِ بَعْضِهِمْ مَا يُخَالِفُهُ وَقَدْ قَدَّمْنَا ذَلِكَ وَفِي كَلَامِ بَعْضِهِمْ مَا يَحْصُلُ مُوَافَقَتُهُ فَإِنَّ صَاحِبَ الشَّامِلِ وَصَاحِبَ الْبَيَانِ ذَكَرَا عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ أَنَّهُ حَكَى عَنْ نَصِّهِ فِي الْقَدِيمِ إنَّهُ إذَا مَرَّ بِالْمِيقَاتِ وَلَمْ يُحْرِمْ حَتَّى بَقِيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ مَسَافَةُ الْقَصْرِ ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ فَعَلَيْهِ دَمُ الْإِسَاءَةِ وَعَلَيْهِ دَمُ التَّمَتُّعِ لِأَنَّهُ صَارَ مِنْ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ.
وَلَا أَدْرِي هَلْ هَذَا التَّعْلِيلُ مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ أَمْ مِنْ كَلَامِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ، وَأَيًّا مَا كَانَ فَظَاهِرُهُ مُوَافِقٌ لِمَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ وَأَنَّ اسْمَ الْحَاضِرِ لَا يُطْلَقُ عَلَى مَنْ يَنْتَهِي إلَى هُنَاكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[مَسْأَلَةٌ خُنْثَى مُشْكِلٌ أَحْرَمَ وَسَتَرَ رَأْسَهُ ثُمَّ أَحْرَمَ إحْرَامًا آخَرَ]
(مَسْأَلَةٌ) خُنْثَى مُشْكِلٌ أَحْرَمَ وَسَتَرَ رَأْسَهُ ثُمَّ أَحْرَمَ إحْرَامًا آخَرَ وَسَتَرَ وَجْهَهُ هَلْ تَجِبُ عَلَيْهِ فِدْيَةٌ لِتَحَقُّقِ سَبَبِهَا فِي أَحَدِ الْإِحْرَامَيْنِ لَا بِعَيْنِهِ وَهَلْ يَدْخُلُ ذَلِكَ فِي قَوْلِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ إذَا سَتَرَهُمَا افْتَدَى وَهَلْ يُشْبِهُ مَا إذَا مَسَّ فَرْجَهُ وَصَلَّى الصُّبْحَ ثُمَّ مَسَّ الْآخَرَ وَصَلَّى الظُّهْرَ؟
(الْجَوَابُ) تَجِبُ عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ بِتَحَقُّقِ سَبَبِهَا وَإِنْ جَهِلَ عَيْنَهُ لِكَوْنِ الْوَاجِبِ شَيْئًا وَاحِدًا مَعْلُومًا وَبِهَذَا فَارَقَ مَا إذَا مَسَّ أَحَدَ فَرْجَيْهِ وَصَلَّى الصُّبْحَ ثُمَّ الْآخَرَ وَصَلَّى الظُّهْرَ وَتَوَضَّأَ بَيْنَهُمَا حَيْثُ لَا قَضَاءَ عَلَى الْأَصَحِّ لِأَنَّ الَّذِي يَجِبُ قَضَاؤُهُ لَيْسَ وَاحِدًا مَعْلُومًا وَلَا يُقَالُ يَجِبُ قَضَاؤُهُمَا كَمَا لَوْ نَسِيَ صَلَاةً مِنْ خَمْسٍ لِأَنَّ الْمُدْرَكَ هُنَا أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْأَدَاءِ وَهُنَا تَحَقَّقَ أَدَاؤُهَا، وَيُفَارِقُ أَيْضًا مَا إذَا لَمْ يَتَوَضَّأْ بَيْنَهُمَا حَيْثُ يَجِبُ قَضَاءُ الظُّهْرِ وَهُوَ كَوْنُهُ مُحْدِثًا فِيهَا، وَفِي الْفِدْيَةِ لَمْ يَتَحَقَّقْ السَّبَبُ فِي إحْرَامٍ مُعَيَّنٍ وَإِنَّمَا السَّبَبُ مَا قَدَّمْنَاهُ، وَجَهَالَةُ عَيْنِ السَّبَبِ لَا تَقْدَحُ فِي تَرْتِيبِ الْمُسَبِّبِ كَمَا لَوْ تَحَقَّقَ أَنَّهُ نَامَ أَوْ بَالَ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ فَيَجِبُ الْوُضُوءُ وَإِنْ جَهِلَ عَيْنَ سَبَبِهِ.
وَأَمَّا دُخُولُهُ فِي قَوْلِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ إذَا سَتَرَهُمَا افْتَدَى فَلَا لِأَنَّهُمْ إنَّمَا أَرَادُوا فِي الْإِحْرَامِ الْوَاحِدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَمِمَّا يُشْبِهُ مَسْأَلَتَنَا أَيْضًا لَوْ حَلَفَ بِاَللَّهِ يَمِينَيْنِ عَلَى شَيْئَيْنِ وَتَحَقَّقَ أَنَّهُ حَنِثَ فِي أَحَدِهِمَا وَجَهِلَ عَيْنَهُ فَإِنَّهُ تَجِبُ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ لِأَحَدِ الْيَمِينَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(مَسْأَلَةٌ حَضَرَتْ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ) رَجُلٌ حَجَّ فِي سَنَةِ ثَلَاثٍ وَخَمْسِينَ وَأَكْمَلَ حَجَّهُ وَدَخَلَ إلَى مَكَّةَ فَحَصَلَ لَهُ عُذْرٌ عَنْ الْخُرُوجِ إلَى الْعُمْرَةِ فَقِيلَ لَهُ: طُفْ وَاسْعَ وَاحْلِقْ ثُمَّ اُخْرُجْ فَأَحْرِمْ، ثُمَّ طَافَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute