وَسَعَى وَحَلَقَ قَاصِدًا بِذَلِكَ الْعُمْرَةَ ثُمَّ خَرَجَ إلَى التَّنْعِيمِ فَأَحْرَمَ الْعُمْرَةَ مِنْ مَسَاجِدِ عَائِشَةَ وَسَافَرَ مُعْتَقِدًا أَنَّهُ بِذَلِكَ كَمُلَتْ عُمْرَتُهُ وَجَاءَ إلَى بَلَدِهِ فَجَامَعَ امْرَأَتَهُ، ثُمَّ قِيلَ لَهُ: إحْرَامُك بَاقٍ فَحَضَرَ يَسْأَلُ الْجَوَابَ الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ إحْرَامَهُ الْأَخِيرَ مِنْ مَسَاجِدِ عَائِشَةَ لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّهُ إنَّمَا قَصَدَ بِهِ الْإِحْرَامَ بِالْعُمْرَةِ السَّابِقِ أَفْعَالُهَا وَذَلِكَ لَا يَصِحُّ وَلَمْ يَقْصِدْ أَفْعَالًا جَدِيدَةً وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، وَأَفْعَالُهُ الَّتِي فَعَلَهَا بِمَكَّةَ إنْ لَمْ يَنْوِ بِهَا الْعُمْرَةَ بَلْ قَصَدَ بِهَا وَبِمَا يُوقِعُهُ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ النِّيَّةِ عُمْرَةً فَلَا تَصِحُّ عُمْرَةً وَلَا يَلْزَمُهُ بِهَا شَيْءٌ وَتَبْقَى الْعُمْرَةُ فِي ذِمَّتِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ اعْتَمَرَ عُمْرَةَ الْإِسْلَامِ، وَإِنْ كَانَ قَصَدَ بِهَا الْعُمْرَةَ فَهِيَ نِيَّةٌ وَإِحْرَامٌ مِنْ مَكَّةَ بِعُمْرَةٍ فَإِذَا أَتَى بِأَفْعَالِهَا فَالصَّحِيحُ أَنَّهَا تُجْزِئُهُ وَعَلَيْهِ دَمُ الْمُجَاوِرَةِ فَلَمَّا خَرَجَ إلَى التَّنْعِيمِ سَقَطَ الدَّمُ فِي وُجُوبِ إعَادَةِ الْأَعْمَالِ وَجْهَانِ: فَإِنْ قُلْنَا يَجِبُ فَالْإِحْرَامُ بَاقٍ أَوْ قُلْنَا بِأَنَّ الْإِحْرَامَ الْأَخِيرَ مِنْ مَسَاجِدِ عَائِشَةَ صَحِيحٌ مُوجِبٌ أَعْمَالًا أُخْرَى لَمَّا جَاوَزَ ذَلِكَ الْمَكَانَ وَصَارَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ مَسَافَةٌ لَا يُمْكِنُهُ الرُّجُوعُ إلَيْهَا لِخَوْفِ قَطْعِ الطَّرِيقِ وَنَحْوِهِ مِمَّا هُوَ مَعْرُوفٌ كَانَ الشَّيْخُ صَدْرُ الدِّينِ بْنِ الْمُرَحَّلِ يَقُولُ: إنَّهُ كَالْمُحْصِرِ فَيَتَحَلَّلُ، وَهَذَا لَيْسَ بِبَعِيدٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَنْقُولًا لِأَنَّ الْعَرَبَ وَمَنْ يَجْرِي مَجْرَاهُمْ فِي الطَّرِيقِ فِي هَذَا الزَّمَانِ يَمْنَعُونَ النَّاسَ مِنْ الْوُصُولِ إلَى الْبَيْتِ لِتَسَلُّطِهِمْ عَلَى النُّفُوسِ وَالْأَمْوَالِ.
فَهَذَا الْمَعْنَى إذَا حُقِّقَ تَبَيَّنَ أَنَّ هَذِهِ الصُّورَةَ الرَّابِعَةَ صُورَةٌ مِنْ صُوَرِ الْإِحْصَارِ وَحُكْمُ الْإِحْصَارِ التَّحَلُّلُ، وَبَعْدَ الذَّبْحِ يَحْلِقُ رَأْسَهُ فَإِذَا حَصَلَتْ هَذِهِ الثَّلَاثَةُ النِّيَّةُ وَالذَّبْحُ ثُمَّ الْحَلْقُ حَصَلَ التَّحَلُّلُ وَصَارَ حَلَالًا يَحِلُّ لَهُ مَا يَحِلُّ لِلْحَلَالِ مِنْ اللِّبْسِ وَالْجِمَاعِ وَغَيْرِهِمَا وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءٌ إذَا لَمْ تَكُنْ الْعُمْرَةُ فَرْضًا، وَالذَّبْحُ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ فِي الْحَرَمِ بَلْ أَيَّ مَكَان شَاءَ وَالْمَذْبُوحُ هُوَ الَّذِي يَجُوزُ فِي الْأُضْحِيَّةِ فَإِنْ كَانَ بَقَرًا أَوْ إبِلًا فَثَنِيٌّ وَإِنْ كَانَ مَعْزًا أَوْ ضَأْنًا وَالْخِيَرَةُ إلَيْهِ فِي ذَلِكَ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ بَلْ يُفَرِّقُهُ عَلَى الْمَسَاكِينِ، وَأَمَّا الْجِمَاعُ الَّذِي حَصَلَ مِنْهُ وَهُوَ جَاهِلٌ فَلَا تَفْسُدُ بِهِ الْعُمْرَةُ عَلَى الصَّحِيحِ وَلَا يَلْزَمُهُ بِهِ شَيْءٌ وَكَذَا مَا حَصَلَ مِنْهُ مِنْ اللِّبَاسِ وَالطِّيبِ أَمَّا إذَا صَدَرَ مِنْهُ حَلْقٌ أَوْ قَلَّمَ ظُفْرًا فَلَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الْعَالِمِ وَالْجَاهِلِ. فَإِنْ قِيلَ بِإِحْرَامِهِ فَالْفِدْيَةُ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ؛ وَتَفْصِيلُهُ إذَا تَعَدَّدَ فِي مَجْلِسٍ أَوْ مَجَالِسَ مَذْكُورٌ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ فَالِاحْتِيَاطُ لِهَذَا الرَّجُلِ إنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَرْجِعَ إلَى مَكَّةَ نَاوِيًا عِنْدَ الْمِيقَاتِ الْعُمْرَةَ فَيَطُوفُ وَيَسْعَى وَيَحْلِقُ أَيَّ وَقْتٍ كَانَ فَيَتَخَلَّصُ بِيَقِينٍ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ وَتَحَلَّلَ هُنَا بِالذَّبْحِ وَالنِّيَّةِ ثُمَّ الْحَلْقِ فَأَرْجُو أَنْ يَكْفِيَهُ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ إذَا كَانَ تَطَوُّعًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute