للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَعُمَرَ جُلِدَ وَمَنْ سَبَّ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قُتِلَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ فِيهَا {يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [النور: ١٧] فَمَنْ رَمَاهَا فَقَدْ خَالَفَ الْقُرْآنَ وَمَنْ خَالَفَ الْقُرْآنَ قُتِلَ

قَالَ ابْنُ حَزْمٍ هَذَا قَوْلٌ صَحِيحٌ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلٍ سَمِعْت عَلِيَّ بْنَ الْمَدِينِيِّ يَقُولُ دَخَلْت عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ لِي أَتَعْرِفُ حَدِيثًا مُسْنَدًا فِيمَنْ سَبَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيُقْتَلُ قُلْت نَعَمْ فَذَكَرْت لَهُ حَدِيثَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ سِمَاكِ بْنِ الْفَضْلِ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بُلْقِينَ قَالَ «كَانَ رَجُلٌ شَتَمَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ يَكْفِينِي عَدُوًّا لِي فَقَالَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ: أَنَا، فَبَعَثَهُ إلَيْهِ فَقَتَلَهُ» فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ: لَيْسَ هَذَا مُسْنَدًا هُوَ عَنْ رَجُلٍ فَقُلْت: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ بِهَذَا يَعْرِفُ هَذَا الرَّجُلُ وَقَدْ بَايَعَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ مَعْرُوفٌ فَأَمَرَ لِي بِأَلْفِ دِينَارٍ؛ قَالَ ابْنُ حَزْمٍ: هَذَا صَحِيحٌ نُدِينُ بِهِ كُفْرَ مَنْ سَبَّ الرَّسُولَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

قَالَ ابْنُ حَزْمٍ كُلُّ كُفْرٍ شِرْكٌ وَكُلُّ شِرْكٍ كُفْرٌ وَهُمَا اسْمَانِ شَرْعِيَّانِ أَوْقَعَهُمَا اللَّهُ عَلَى مَعْنًى وَاحِدٍ وَنَقَلَهُمَا عَنْ مَوْضُوعِهِمَا فِي اللُّغَةِ إلَى كُلِّ مَنْ أَنْكَرَ شَيْئًا مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ يَكُونُ بِإِنْكَارِهِ مُعَانِدًا لِلرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ بُلُوغِ النِّذَارَةِ.

[فَصْلٌ تَكْفِير الصَّحَابَة]

احْتَجَّ الْمُكَفِّرُونَ لِلشِّيعَةِ وَالْخَوَارِجِ بِتَكْفِيرِهِمْ لِأَعْلَامِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَتَكْذِيبِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قَطْعِهِ لَهُمْ بِالْجَنَّةِ. وَهَذَا عِنْدِي احْتِجَاجٌ صَحِيحٌ فِيمَنْ ثَبَتَ عَلَيْهِ تَكْفِيرُ أُولَئِكَ.

وَأَجَابَ الْآمِدِيُّ بِأَنَّهُ إنَّمَا يَلْزَمُ أَنْ لَوْ كَانَ الْمُكَفِّرُ يَعْلَمُ بِتَزْكِيَةِ مَنْ كَفَّرَهُ قَطْعًا عَلَى الْإِطْلَاقِ إلَى مَمَاتِهِ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَبُو بَكْرٍ فِي الْجَنَّةِ وَعُمَرُ فِي الْجَنَّةِ وَعُثْمَانُ فِي الْجَنَّةِ وَعَلِيٌّ فِي الْجَنَّةِ» إلَى آخِرِهِمْ وَإِنْ كَانَ هَذَا الْخَبَرُ لَيْسَ مُتَوَاتِرًا لَكِنَّهُ مَشْهُورٌ مُسْتَفِيضٌ وَعَضَّدَهُ إجْمَاعُ الْأُمَّةِ عَلَى إمَامَتِهِمْ وَعُلُوِّ قَدْرِهِمْ وَتَوَاتُرِ مَنَاقِبِهِمْ أَعْظَمَ التَّوَاتُرِ الَّذِي يُفِيدُ تَزْكِيَتَهُمْ فَبِذَلِكَ نَقْطَعُ بِتَزْكِيَتِهِمْ عَلَى الْإِطْلَاقِ إلَى مَمَاتِهِمْ لَا يَخْتَلِجُنَا شَكٌّ فِي ذَلِكَ.

وَأَمَّا اشْتِرَاطُ عِلْمِ الْمُكَفِّرِ نَفْسِهِ بِذَلِكَ فَهُوَ مَحَلُّ النَّظَرِ الَّذِي أَشَرْنَا إلَيْهِ يَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ تَكْذِيبُهُ الْأَخْبَارَ بِأَنَّهُمْ فِي الْجَنَّةِ وَهَذَا هُوَ الَّذِي بَنَى عَلَيْهِ الْأُصُولِيُّونَ، وَهُوَ عُمْدَةُ الْقَوْلِ فِي التَّكْفِيرِ، لَكِنْ عِنْدِي فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْخَاصَّةِ شَيْءٌ آخَرُ وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

<<  <  ج: ص:  >  >>