وَلَكِنَّا أَطَلْنَا فِيهِ لِئَلَّا يَقُولَ جَاهِلٌ: إنَّهُ إذَا كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا جَعَلَ لَهُنَّ النَّفَقَةَ فَيَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَقْتَصِرَ عَلَى ذَلِكَ.
ثُمَّ إنَّا نَقُولُ: إنَّهُ يَجِبُ لَهُنَّ النَّفَقَةُ وَالْكِسْوَةُ وَسَائِرُ مَا يَحْتَجْنَ إلَيْهِ وَكُلُّ ذَلِكَ يَدْخُلُ فِي اسْمِ النَّفَقَةِ وَلَهُنَّ أَنْ يَدَّخِرْنَ كِفَايَتَهُنَّ سَنَةً وَإِذَا ثَبَتَ الْحَدِيثُ الْآخَرُ الَّذِي فِيهِ مُؤْنَةُ نِسَائِي فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّ اللَّفْظَيْنِ ثَابِتَانِ وَأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَكَلَّمَ بِهِمَا مَرَّتَيْنِ فَمَرَّةً ذَكَرَ الْمُؤْنَةَ لِيُعَرِّفَنَا أَنَّ الْوَاجِبَ لَهُنَّ ذَلِكَ وَمَرَّةٌ ذَكَرَ النَّفَقَةَ لِيُنَبِّهَهُنَّ عَلَى الزَّهَادَةِ وَالِاقْتِصَادِ وَهَكَذَا يَنْبَغِي لِمَنْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَوْسَعَ عَلَيْهِ فِي الرِّزْقِ أَنْ يَفْهَمَ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَدَّخِرَهُ وَيَكْنِزَهُ بَلْ يُنْفِقُ مِنْهُ عَلَى نَفْسِهِ قَدْرَ الضَّرُورَةِ وَيَصْرِفُ الْبَاقِيَ فِي وُجُوهِ الْخَيْرِ فَيَكُونُ زَاهِدًا وَإِنْ كَانَتْ الدُّنْيَا فِي يَدِهِ وَفَقِيرٌ أَوْ كَانَ غَنِيًّا وَصَابِرًا شَاكِرًا. وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ.
وَيَحْتَمِلُ أَيْضًا أَنَّهُ إنَّمَا اُخْتِيرَ لَفْظُ النَّفَقَةِ فِي النِّسَاءِ؛ لِأَنَّهَا نَفَقَةُ الزَّوْجِيَّةِ؛ لِأَنَّهُنَّ يُمْنَعْنَ التَّزَوُّجَ بَعْدَهُ فَجُعِلَتْ نَفَقَةُ الزَّوْجِيَّةِ بَعْدَهُ بَاقِيَةً عَلَيْهِنَّ إلَى حِينِ مَوْتِهِنَّ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ قَدْ عَهِدَ فِي حَالِ الزَّوْجِيَّةِ اسْمَ النَّفَقَةِ دُونَ اسْمِ الْمُؤْنَةِ.
وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: إنَّ اسْتِحْقَاقَهُنَّ لِلسُّكْنَى كَاسْتِحْقَاقِ الْمُعْتَدَّةِ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ الْعُمْرِ فِي حَقِّهِنَّ بِمَثَابَةِ زَمَانِ الْعِدَّةِ فِي حَقِّ غَيْرِهِنَّ لِحُرْمَةِ تَزَوُّجِهِنَّ وَإِنْ اخْتَلَفَ سَبَبُ الْحُرْمَةِ فَفِي حَقِّ غَيْرِهِنَّ بَرَاءَةُ الرَّحِمِ وَفِي حَقِّهِنَّ تَعْظِيمُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَعْظِيمُهُنَّ؛ لِأَنَّهُنَّ أُمَّهَاتُ الْمُؤْمِنِينَ.
[كِتَابُ النِّكَاحِ]
(مَسْأَلَةٌ مِنْ الْفَيُّومِ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَثَلَاثِينَ) مَحْجُورٌ عَلَيْهِ بِالسَّفَهِ تَزَوَّجَ امْرَأَةً بِإِذْنِ وَلِيِّهِ وَسَمَّى لَهَا مَهْرًا حَالًا وَمُؤَجَّلًا وَلَمْ يَقْدِرْ إلَّا عَلَى بَعْضِ الْحَالِ فَأَبَتْ أَنْ تُسَلِّمَ نَفْسَهَا إلَّا أَنْ تَقْبِضَ الْحَالَ كُلَّهُ وَهُوَ مَضْرُورٌ إلَى النِّكَاحِ وَيَخَافُ الْعَنَتَ وَوَجَدَ امْرَأَةً هَلْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا مَعَ بَقَاءِ الْأُولَى فِي عِصْمَتِهِ؟ .
(الْجَوَابُ) إذَا ظَهَرَ لِلْوَلِيِّ حَاجَتُهُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ قُدْرَةٌ عَلَى أَدَاءِ الْحَالِ وَلَمْ تَرْضَ بِتَسْلِيمِ نَفْسِهَا بِدُونِهِ وَكَانَ فِرَاقُهَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مَفْسَدَةٌ بِهِ وَلَا يَتَوَقَّعُ الْمُطَاوَعَةَ وَلَا الْقُدْرَةَ قَبْلَ اشْتِدَادِ الْحَاجَةِ إلَى الْوَطْءِ جَازَ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَهُ مَنْ تَنْدَفِعُ بِهَا حَاجَتُهُ فَإِنَّ الْأَصْحَابَ اخْتَلَفُوا هَلْ يُزَوَّجُ السَّفِيهُ بِالْمَصْلَحَةِ أَوْ بِالْحَاجَةِ فَإِنْ قُلْنَا بِالْمَصْلَحَةِ فَلَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute