مَسَسْتُمُوهُنَّ، وَإِمَّا بِأَنَّ الِاسْتِقْبَالَ الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ " إنْ " بِالنِّسْبَةِ إلَى الْخِطَابِ لَا إلَى الطَّلَاقِ. وَلَوْ جُعِلَ {مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا} [البقرة: ٢٣٦] مُتَعَلِّقًا (بِطَلَّقْتُمْ) سَلِمَ عَنْ هَذَا الْمَجَازِ، لَكِنْ يُعَارِضُهُ مَا قَدَّمْنَاهُ مِمَّا رَجَحَ تَعَلُّقُهُ بِخَبَرِ {لا جُنَاحَ} [البقرة: ٢٣٦] فَلِذَلِكَ اخْتَرْنَاهُ لَكِنْ يَرِدُ عَلَى كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ شَيْءٌ، وَهُوَ أَنَّهُ هُنَا جَعَلَ التَّرْدِيدَ بَيْنَ الْمَسِّ وَالْفَرْضِ وَلَمْ يُعِدْ حَرْفَ النَّفْيِ؛ وَهُوَ حَقٌّ فِي قَوْله تَعَالَى {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا} [الأنعام: ١٥٨] قَدَّرْت: لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوَّلًا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ وَلَا كَسَبَتْ فِي إيمَانِهَا خَيْرًا. وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ الَّتِي مَا آمَنَتْ مَا كَسَبَتْ فِي إيمَانِهَا خَيْرًا فَلَا وَجْهَ لِعَطْفِهِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ فَائِدَةً أُخْرَى فَاحْتِيجَ إلَى تَقْدِيرِ حَرْفِ النَّفْيِ بَلْ وَزِيَادَةٍ عَلَيْهِ. وَهُوَ أَنْ تُقَدِّرَ " نَفْسًا " حَتَّى تَكُونَ النَّفْسُ الثَّانِيَةُ غَيْرَ النَّفْسِ الْأُولَى لِتَتِمَّ الْفَائِدَةُ. فَالتَّرْدِيدُ بَيْنَ النَّفْسَيْنِ؛ لَا فِي نَفْسٍ وَاحِدَةٍ بَيْنَ شَيْئَيْنِ فَكَأَنَّهُ قَالَ. لَا يَنْفَعُ نَفْسًا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَا نَفْسًا لَمْ تَكُنْ كَسَبَتْ فِي إيمَانِهَا خَيْرًا.
وَلَا مُتَعَلِّقٌ لِلْمُعْتَزِلَةِ فِي الْآيَةِ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ؛ لِأَنَّ الْإِيمَانَ إذَا تَجَرَّدَ عَنْ الْمَعْصِيَةِ نَافِعٌ قَطْعًا بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ لَمْ يَكْسِبْ فِيهِ خَيْرًا. فَالْوَجْهُ فِي الْعَطْفِ مَا قَدَّرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إيمَانُهَا وَلَا كَسْبُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ أَوْ كَسَبَتْ وَيَكُونُ فِي الْكَلَامِ لَفٌّ وَنَشْرٌ. أَيْ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَا يَنْفَعُهَا كَسْبُهَا لَمْ تَكُنْ كَسَبَتْ فِي إيمَانِهَا خَيْرًا، وَالْمَقْصُودُ سَلْبُ النَّفْعِ إلَّا عَنْ إيمَانٍ أَوْ كَسْبِ الْخَيْرِ، وَهُوَ حَقٌّ. هَذَا مَا تَيَسَّرَ ذِكْرُهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِحَسَبِ مَا اقْتَضَاهُ الْبَحْثُ الْآنَ وَإِنْ كَانَ فِيهَا مِنْ الْمَبَاحِثِ غَيْرِ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى.
[قَوْله تَعَالَى وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ]
(آيَةٌ أُخْرَى)
قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (مَسْأَلَةٌ) جَرَى الْبَحْثُ فِي الْغَزَالِيَّةِ فِي أَوَاخِرِ رَبِيعٍ الْآخَرَ سَنَةَ خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ فِي قَوْله تَعَالَى {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة: ٢٨٢] فَقُلْتُ قَوْلُهُ " مِنْ " إشَارَةٌ إلَى الْمُسْلِمِينَ الْأَحْرَارِ، لِأَنَّهُمْ الَّذِينَ يَتَدَايَنُونَ غَالِبًا وَالرَّقِيقُ لَا يَتَدَايَنُ غَالِبًا. فَقَالَ بَعْضُ الْحَاضِرِينَ وَهُوَ الْوَلَدُ عَبْدُ الْوَهَّابِ هَذَا يَثْبُتُ عَلَى أَنَّ الْإِمَامَ يَخُصُّ بِالْعَادَةِ وَالصَّحِيحُ خِلَافُهُ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الْمُدَايِنَةِ بَيْنَ الْأَحْرَارِ فِي الْغَالِبِ أَنْ يَخْتَصَّ الْخِطَابُ بِهِمْ لِأَنَّهُ عَامٌ. قُلْت لَا نُسَلِّمُ وَطَالَتْ هَذِهِ الْمُمَانَعَةُ وَلَمْ يَتَبَيَّنْ لِلْجَمَاعَةِ سَنَدُ الْمَنْعِ فَبَيَّنْته لَهُمْ وَهُوَ أَنَّ الْمُخَاطَبَ أَيْ وَهُوَ اسْمٌ مُبْهَمٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute