إذَا صَدَرَ مِنْهُمْ خَطَأٌ الِاعْتِرَافُ لَا التَّمَادِي، وَالتَّلَبُّسُ، وَقَالَ لِي قَائِلٌ: إنَّهُمْ أَنْكَرُوا مِنِّي لَفْظَةَ الِاسْتِصْنَاعِ فَيَالَلَّهِ لِلْجَهْلِ هَذِهِ عِبَارَةُ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ وَعِبَارَةُ الْأَصْحَابِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَعِبَارَةُ الْفُقَهَاءِ مِنْ غَيْرِهِمْ فَكَيْفَ يَخْفَى ذَلِكَ عَلَى فَقِيهٍ فَيَنْبَغِي لِمَنْ هَذَا حَالُهُ أَنْ يَصُونَ نَفْسَهُ عَنْ الْوُقُوعِ فِي أَمْثَالِ هَذَا خَيْرٌ لَهُ:
وَلِلْحُرُوبِ رِجَالٌ يُعْرَفُونَ بِهَا ... وَلِلدَّوَاوِينِ كُتَّابٌ وَحُسَّابُ
، وَالْعِلْمُ صَعْبٌ لَا يُنَالُ بِالْهُوَيْنَا وَلَيْسَتْ كُلُّ الطِّبَاعِ تَقْبَلُهُ بَلْ مِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْتَغِلُ عُمْرَهُ وَلَا يَنَالُ مِنْهُ شَيْئًا، وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يُفْتَحُ عَلَيْهِ فِي مُدَّةٍ يَسِيرَةٍ، وَهُوَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ، أَمَّا السُّؤَالُ الْمَذْكُورُ فِي هَذِهِ الْوَرَقَةِ فَقَدْ رَأَيْت هَذَا الشَّخْصَ الْمُشَارَ إلَيْهِ أَجَابَ فِي ذَلِكَ بِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ الضَّمَانُ إذَا لَمْ يَكُنْ مُقَصِّرًا فِي حِفْظِهِ إذْ يَدُهُ يَدُ أَمَانَةٍ.
وَهَذَا الْجَوَابُ خَطَأٌ أَيْضًا إذَا فُرِضَتْ الصُّورَةُ هَكَذَا فَإِنَّ الصُّورَةَ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا غَيْرُ مَا ذُكِرَ حَقِيقَتُهَا تَوْكِيلٌ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْبُسُطُ مَجْهُولٌ، وَالتَّوْكِيلُ فِي الْمَجْهُولِ لَا يَصِحُّ، وَإِذَا كَانَتْ الْوَكَالَةُ فَاسِدَةً فَكُلُّ مَا يَشْتَرِيهِ الْوَكِيلُ مِنْ صُوفٍ وَغَيْرِهِ وَاقِعٌ لَهُ لَا يَمْلِكُهُ الْمُوَكِّلُ، فَإِذَا صَنَعَهُ بُسُطًا وَتَلِفَ تَلِفَ عَلَى مِلْكِ الصَّانِعِ فَلَيْسَتْ يَدُهُ عَلَى الْبُسُطِ يَدَ أَمَانَةٍ؛ لِأَنَّ يَدَ الْأَمَانَةِ إنَّمَا تَكُونُ إذَا كَانَتْ الْبُسُطُ لِغَيْرِهِ وَهَذِهِ لِنَفْسِهِ، وَالدَّرَاهِمُ فِي يَدِ الْوَكِيلِ وَلَمْ يَسْأَلْ الْمُسْتَفْتِي عَنْهَا فَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَا يَغْرَمُ الْبُسُطَ وَأَنَّهَا فِي يَدِهِ أَمَانَةٌ خَطَأٌ.
وَلَوْ فَرَضْنَا أَنَّ التَّوْكِيلَ صَحِيحٌ وَأَنَّ الصُّوفَ مِلْكُ الدَّافِعِ فَالصَّنْعَةُ مُلْحَقَةٌ بِالْأَعْيَانِ وَحُكْمُهَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأُجْرَةِ حُكْمُ الْمَبِيعِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الثَّمَنِ وَيَدُ الصَّانِعِ عَلَيْهِ يَدُ ضَمَانٍ لَا يَدُ أَمَانَةٍ فَالْقَوْلُ بِأَنَّهَا يَدُ أَمَانَةٍ خَطَأٌ وَيُبَيِّنُ مَا يَضْمَنُهُ مِنْ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَضْمَنُهُ مَا يَعْرِضُ لَهُ، فَإِنْ فَرَضَ صُورَةً أُخْرَى فَهِيَ لَمْ تُذْكَرْ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي خَطَأِ الْجَوَابِ الْمَذْكُورِ إلَّا أَنَّهُ إطْلَاقٌ فِي مَوْضِعِ التَّفْصِيلِ وَنَحْنُ إذَا طُلِبَ مِنَّا الْجَوَابُ عَمَّا ذُكِرَ فِي هَذِهِ الْوَرَقَةِ وَذَكَرْنَا تَفْصِيلًا فِيهِ وَبَيَانًا لِحُكْمِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى انْتَهَى.
[كِتَابُ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ وَتَمَلُّكِ الْمُبَاحَاتِ]
ِ (مَسْأَلَةٌ) قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ وَنَوَّرَ ضَرِيحَهُ وَجَعَلَ أَبْوَابَ الْجِنَانِ بَيْنَ يَدَيْهِ مَفْتُوحَةً إذَا شَغَرَتْ وَظِيفَةٌ وَحَضَرَ إلَى الْقَاضِي مَنْ هُوَ أَحَقُّ بِهَا وَوِلَايَةُ الْقَاضِي شَامِلَةٌ لَهَا وَجَبَ عَلَيْهِ تَوْلِيَتُهُ وَمَتَى أَخَّرَ بِغَيْرِ عُذْرٍ عَصَى وَإِنْ كَانَ أَهْلًا وَلَمْ يَتَبَيَّنْ أَنَّهُ أَحَقُّ وَلَمْ يُعَارِضْهُ غَيْرُهُ وَجَبَ عَلَيْهِ أَيْضًا إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي مُهْلَةِ النَّظَرِ فِي التَّرْجِيحِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ وَلَا يُعْذَرُ بِكَوْنِهِ يَخْشَى أَنْ لَا يَنْفُذَ ذَلِكَ بَلْ عَلَيْهِ فِعْلُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: ٥٨] وَالْقَاضِي مُؤْتَمَنٌ عَلَى الْوَظَائِفِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَدَاؤُهَا إلَى أَهْلِهَا وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ سَبَقَ إلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute