عَلَى الْبَائِعِ حَتَّى تُصَرِّحَ الْبَيِّنَةُ بِأَنَّ مِلْكَهُ مُسْتَنِدٌ إلَى مَا قَبْلَ الْبَيْعِ وَأَنَّ الْمِلْكَ الْحَاضِرَ لَا يُسْتَصْحَبُ إلَى الْمَاضِي أَصْلًا، ثُمَّ إنَّ هَذَا الْجَوَابَ بِضَمَانِ الْبَائِعِ مَقْصُورٌ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ لَا يَأْتِي فِي كُلِّ صُورَةٍ يَثْبُتُ فِيهَا الْمِلْكُ فِي الْحَالِ بِخِلَافِ الْمِلْكِ الثَّابِتِ فِي الْمَاضِي فَإِنَّهُ يُسْتَصْحَبُ فِي كُلِّ صُورَةٍ حَتَّى يَتَحَقَّقَ زَوَالُهُ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[مَسْأَلَةٌ مِلْك اُحْتِيجَ إلَى بَيْعِهِ عَلَى يَتِيمٍ]
(الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) مَسْأَلَةُ ابْنِ الصَّلَاحِ فِي مِلْكٍ اُحْتِيجَ إلَى بَيْعِهِ عَلَى يَتِيمٍ فَقَامَتْ بَيِّنَةٌ أَنَّ قِيمَتَهُ مِائَةٌ وَخَمْسُونَ فَبَاعَهُ الْقَيِّمُ عَلَى الْيَتِيمِ بِذَلِكَ وَحَكَمَ الْحَاكِمُ عَلَى الْبَيِّنَةِ الْمَذْكُورَةِ بِصِحَّةِ الْبَيْعِ ثُمَّ قَامَتْ بَيِّنَةٌ أُخْرَى بِأَنَّ قِيمَتَهُ حِينَئِذٍ مِائَتَانِ.
فَأَجَابَ بِأَنَّهُ يُنْقَضُ الْحُكْمُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا حَكَمَ عَلَى الْبَيِّنَةِ السَّالِمَةِ عَنْ الْمُعَارَضَةِ وَقَدْ بَانَ خِلَافُهُ وَتَبَيَّنَ اسْتِنَادُ مَا يَمْنَعُ الْحُكْمَ إلَى حَالَةِ الْحُكْمِ فَهُوَ كَمَا قَطَعَ بِهِ صَاحِبُ الْمُهَذَّبِ وَذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ فِيمَا إذَا شَهِدَتْ بَيِّنَةُ الدَّاخِلِ بَعْدَ الْقَضَاءِ لِلْخَارِجِ، وَمَنْ تَأَمَّلَ مَا قُلْنَاهُ فِيهَا عَرَفَ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا مِنْ جِهَةِ أَنَّ هَذَا تَعَارُضٌ مُجَرَّدٌ فِي الْقِيمَةِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ النَّقْضِ بِبَيِّنَةٍ مَعَهَا يَدُ النَّقْضِ بِبَيِّنَةٍ مُجَرَّدَةٍ، فَإِنْ قُلْت: الْيَدُ لِلْيَتِيمِ فَإِذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ بِأَنَّ الْقِيمَةَ أَكْثَرُ مِمَّا بِيعَ بِهِ يُقْضَى لِلْيَتِيمِ بِهَا بِالْبَيِّنَةِ مَعَ يَدِهِ.
قُلْت: يَدُ الْيَتِيمِ لَا دَلَالَةَ لَهَا عَلَى الْقِيمَةِ وَإِنَّمَا لَهَا دَلَالَةٌ عَلَى الْمِلْكِ فَالْقَضَاءُ بِالْمِلْكِ لِلدَّاخِلِ بِالْيَدِ الدَّالَّةِ عَلَيْهِ فَلِذَلِكَ حَكَمَ لَهُ بِهَا وَرُدَّتْ إلَيْهِ، وَلَا كَذَلِكَ هَاهُنَا، وَأَيْضًا أَنَّ بَيِّنَةَ الْقِيمَةِ تَعْتَمِدُ التَّقْوِيمَ وَالتَّقْوِيمُ حَدْسٌ وَتَخْمِينٌ، وَتُفْرَضُ عَلَى ثَلَاثِ أَحْوَالٍ:
(إحْدَاهَا) أَنْ تَشْهَدَ الْآنَ أَنَّ قِيمَتَهُ الْآنَ كَذَا فَهَذِهِ لَا تُعَارِضُ الْبَيِّنَةَ السَّابِقَةَ يَوْمَ الْبَيْعِ بِلَا إشْكَالٍ.
(الثَّانِيَةُ) أَنْ تَشْهَدَ الْآنَ أَنَّ قِيمَتَهُ يَوْمَ الْبَيْعِ كَذَا فَهِيَ يَنْبَغِي أَنْ لَا تُسْمَعَ؛ لِأَنَّ التَّخْمِينَ عَلَى تَقْدِيرٍ قَدْ لَا يَحْصُلُ عِنْدَ حُصُولِ ذَلِكَ التَّقْدِيرِ وَيَشْهَدُ لَهُ مَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ فِي بَيْعِ صُبْرَةٍ إلَّا صَاعًا فَإِنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يُخَمِّنُ شَيْئًا عَلَى تَقْدِيرٍ فَإِذَا حَصَلَ ذَلِكَ التَّقْدِيرُ يَتَغَيَّرُ التَّخْمِينُ وَاخْتِلَافُ الزَّمَانِ مِنْ جُمْلَةِ التَّقَادِيرِ.
(الْحَالَةُ الثَّالِثَةُ) أَنْ لَا تَقُومَ الْآنَ لَكِنْ تَشْهَدُ أَنَّ قِيمَتَهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ عِنْدَ النَّاسِ كَذَا فَإِنَّ الْأَسْعَارَ الْمَعْرُوفَةَ عِنْدَ عُمُومِ النَّاسِ تَنْضَبِطُ فِي أَوْقَاتِهَا لَكِنَّ هَذَا لَيْسَ تَقْوِيمًا بَلْ شَهَادَةً بِأَمْرٍ خَارِجٍ فَهَذِهِ تُسْمَعُ وَلَيْسَتْ شَهَادَةَ قِيمَةٍ وَالْغَالِبُ أَنَّ هَذَا إنَّمَا يَكُونُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute