يَقْتَضِي أَنَّهُ الْقَسَمُ لِأَنَّهُ الَّذِي جُعِلَ جَزَاءً فَالشَّرْطُ كَالْجُمْلَةِ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهَا وَالْقَسَمُ كَالْجُمَلِ الْمَعْطُوفَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، هَذَا كُلُّهُ إنْ قَدَّرْنَا الْقَسَمَ بَعْدَ قَسَمٍ يَقْبَلُ اللَّامَ أَمَّا إذَا قَدَّرْنَاهُ قَسَمًا وَاحِدًا قَبْلَ {لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ} [التكاثر: ٦] شَامِلًا لِلْجُمَلِ الثَّلَاثِ فَلَا يَأْتِي هَذَا الْإِمْكَانُ وَيَكُونُ قَدْ أَقْسَمَ قَسَمًا وَاحِدًا لَا أَقْسَامًا ثَلَاثَةً، وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ هَذَا الْبَحْثِ إذَا حَلَفَ فَقَالَ وَاَللَّهِ لَأَضْرِبَنَّ زَيْدًا ثُمَّ وَاَللَّهِ لَأَضْرِبَنَّ عَمْرًا ثُمَّ وَاَللَّهِ لَأَضْرِبَنَّ خَالِدًا كَانَتْ ثَلَاثَةَ أَيْمَانٍ؛ وَكَوْنُ الْيَمِينِ عَلَى الثَّلَاثِ الْآنَ لَا شَكَّ فِيهِ، وَهَلْ يَجِبُ التَّرْتِيبُ، هَذَا مُحْتَمَلٌ. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنْ يَرْجِعَ إلَى نِيَّتِهِ فَإِنْ نَوَى التَّرْتِيبَ لَمْ يَبْرَأْ إلَّا بِالتَّرْتِيبِ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ كَفَى وُجُودُ الثَّلَاثِ كَيْفَ اتَّفَقَ؛ وَمَتَى تَرَكَ الثَّلَاثَ لَزِمَهُ ثَلَاثُ كَفَّارَاتٍ، وَإِنْ فَعَلَ وَاحِدَةً وَتَرَكَ ثِنْتَيْنِ لَزِمَهُ كَفَّارَةُ مَا تَرَكَ، وَإِذَا قَالَ: وَاَللَّهِ لَأَضْرِبَنَّ زَيْدًا ثُمَّ لَأَضْرِبَنَّ عَمْرًا ثُمَّ لَأَضْرِبَنَّ خَالِدًا، كَانَتْ يَمِينًا وَاحِدَةً مَرْتَبَةً عَلَى الثَّلَاثِ فِي قُوَّةِ قَوْلِهِ: وَاَللَّهِ لَأَضْرِبَنَّ زَيْدًا ثُمَّ عَمْرًا ثُمَّ خَالِدًا، وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا إلَّا زِيَادَةَ التَّأْكِيدِ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَيُقَالُ إنَّ قَوْلَهُ وَاَللَّهِ لَأَضْرِبَنَّ زَيْدًا ثُمَّ عَمْرًا ثُمَّ خَالِدًا يَمِينًا وَاحِدَةً بِلَا إشْكَالٍ، وَمَتَى أَعَادَ اللَّامَ فِي الِاثْنَيْنِ كَانَتْ ثَلَاثَةَ أَيْمَانٍ، وَإِنْ كَانَ لَا يُقَدِّرُ الْقَسَمَ فِي كُلٍّ مِنْهَا؛ بَلْ هُوَ فِي الْإِثْبَاتِ كَلَا فِي النَّفْيِ إذَا قَالَ وَاَللَّهِ لَا ضَرَبْت زَيْدًا وَلَا عَمْرًا فَإِنَّهَا يَمِينَانِ، وَإِنْ كَانَ لَفْظُ الْيَمِينِ وَاحِدًا، وَهَذَانِ الِاحْتِمَالَانِ قُلْتهمَا تَفَقُّهًا لَا نَقْلًا وَلَا يَتَرَجَّحُ الْآنَ مِنْهُمَا عِنْدِي شَيْءٌ. وَلَعَلَّهُ يَقْوَى عِنْدِي إنْ شَاءَ اللَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ هَذَا الِاحْتِمَالُ الثَّانِي، فَإِنَّنِي مَائِلٌ إلَيْهِ، وَلَكِنَّنِي لَمْ أَجِدْ الْآنَ دَلِيلًا يَنْهَضُ تَرْجِيحُهُ انْتَهَى.
[قَوْله تَعَالَى مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ]
(آيَاتٌ أُخْرَى)
هَذِهِ الْآيَاتُ إذَا كُتِبَتْ تُقَدَّمُ إلَى مَوَاضِعِهَا. قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: قَوْله تَعَالَى {مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ} [غافر: ١٨] زِيدَتْ " مِنْ " لِإِفَادَةِ صِفَةِ الْعُمُومِ، فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِك: لَا حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ إذَا ثَبَتَ اسْمُ لَا مَعَهَا فِي إفَادَةِ كُلِّ فَرْدٍ مِمَّا ذُكِرَ.
قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: فَإِنْ قُلْت مَا مَعْنَى قَوْلِهِ {وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ} [غافر: ١٨] قُلْت: يُحْتَمَلُ أَنْ يَتَنَاوَلَ النَّفْيُ الشَّفَاعَةَ وَالطَّاعَةَ مَعًا، وَأَنْ يَتَنَاوَلَ الطَّاعَةَ دُونَ الشَّفَاعَةِ كَمَا تَقُولُ مَا عِنْدِي كِتَابٌ يُبَاعُ، فَهُوَ يَحْتَمِلُ نَفْيَ الْبَيْعِ وَحْدَهُ، وَأَنَّ عِنْدَك كِتَابًا إلَّا أَنَّك لَا تَبِيعُهُ وَنَفْيُهُمَا جَمِيعًا وَأَنْ لَا كِتَابَ عِنْدَك وَلَا كَوْنُهُ مَبِيعًا وَنَحْوُهُ
وَلَا تَرَى الضَّبَّ بِهَا يَنْجَحِرُ
يُرِيدُ نَفْيَ الضَّبِّ وَانْجِحَارِهِ.
قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ مَدْلُولُ اللَّفْظِ وَمَعْنَاهُ نَفْيُ الْمُرَكَّبِ مِنْ الْمَوْصُوفِ وَالصِّفَةِ، وَلَكِنْ لِانْتِفَاءِ الْمُرَكَّبِ طَرِيقَانِ وَهُمَا الِاحْتِمَالَانِ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا، فَهُمَا احْتِمَالَانِ فِي طَرِيقِ الِانْتِفَاءِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute