الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ، لَا فِي مَدْلُولِ اللَّفْظِ وَمَعْنَاهُ.
فَإِنَّ الِاحْتِمَالَيْنِ فِي الْمَدْلُولِ أَنْ يَكُونَ اللَّفْظُ لَهُمَا إمَّا مُشْتَرَكًا وَإِمَّا حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا وَهَذَا لَيْسَ كَذَلِكَ. وَإِنَّمَا نَبَّهْنَا عَلَى ذَلِكَ لِتَعْلَمَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ كَلَامِ الزَّمَخْشَرِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ الْفُضَلَاءِ بِخِلَافِ مَا أَوْهَمَهُ كَلَامُهُ هَذَا وَكَذَا قَوْلُك مَا عِنْدِي كِتَابٌ يُبَاعُ إنَّمَا مَدْلُولُهُ نَفْيُ كِتَابٍ مَوْصُوفٍ وَسَاكِتٌ عَمَّا سِوَاهُ، وَالِاحْتِمَالَانِ فِي الْوَاقِعِ وَفِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَكَذَا
وَلَا تَرَى الضَّبَّ بِهَا يَنْجَحِرُ
إنَّمَا دَلَّ عَلَى عَدَمِ رُؤْيَةِ الضَّبِّ مُنْجَحِرًا، وَالِاحْتِمَالَانِ فِي الضَّبِّ بِهَا وَلَا يَنْجَحِرُ أَوْ لَا ضَبَّ بِهَا أَصْلًا، وَحَمْلُهُ عَلَى إرَادَةِ الثَّانِي صَحِيحٌ لَيْسَ مِنْ مَدْلُولِ اللَّفْظِ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مِنْ مَدْلُولِ اللَّفْظِ لَاطَّرَدَ وَلَكَانَ مِمَّا دَلَّ عَلَيْهِ سِيَاقُ الْكَلَامِ وَمَقْصُودُ الشَّارِعِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ " عَلِيٌّ لَا حُبَّ لَا يُهْتَدَى بِمَنَارِهِ " يُرِيدُ لَا مَنَارَ لَهُ فَيَهْتَدِي بِهِ، تَعْرِفُ مَقْصُودَهُ ذَلِكَ مِنْ الْقَرِينَةِ لَا مِنْ اللَّفْظِ وَحْدَهُ، أَلَا تَرَاك لَوْ قُلْت زَيْدٌ لَا يُنْتَفَعُ بِعِلْمِهِ وَلَا عِلْمَ لَهُ مَا لَمْ يُحْسِنْ ذَلِكَ إلَّا عَلَى بَعْدِ، وَلَعَلَّ الْفَرْقَ أَنَّ حَيْثُ قَصَدَ وَصْفَ النَّكِرَةِ كَلَا حِبَّ وُصِفَ بِعَدَمِ الِاهْتِدَاءِ بِمَنَارِهِ فَالْأَبْلَغُ انْتِفَاءُ الْمَنَارِ، وَفِي زَيْدٍ لَمْ يَقْصِدْ وَصْفَهُ بَلْ الْمَدْلُولُ نَفْيُ الِانْتِفَاعِ عَنْ عِلْمِهِ فَاسْتَدْعَى وُجُودَ السَّالِبَةِ الْبَسِيطَةِ الَّتِي يَذْكُرُهَا الْمَنْطِقِيُّونَ وَأَنَّهَا لَا تَقْتَضِي وُجُودَ مَوْضُوعِهَا صَحِيحٌ ذَلِكَ، وَلَكِنَّ مِنْهَا مَا يُسْتَحْسَنُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ وَمِنْهَا مَا لَا يُسْتَحْسَنُ.
قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: فَإِنْ قُلْت فَعَلَى أَيِّ الِاحْتِمَالَيْنِ يَجِبُ حَمْلُهُ؟
قُلْت عَلَى نَفْيِ الْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا مِنْ قِبَلِ أَنَّ الشُّفَعَاءَ هُمْ أَوْلِيَاءُ اللَّهِ، وَأَوْلِيَاءُ اللَّهِ لَا يُحِبُّونَ وَلَا يَرْضَوْنَ إلَّا مَنْ أَحَبَّهُ اللَّهُ وَرَضِيَهُ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ فَلَا يُحِبُّونَهُمْ، وَإِذَا لَمْ يُحِبُّوهُمْ لَمْ يَنْصُرُوهُمْ وَلَمْ يَشْفَعُوا لَهُمْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} [المائدة: ٧٢] قَالَ {وَلا يَشْفَعُونَ إِلا لِمَنِ ارْتَضَى} [الأنبياء: ٢٨] وَلِأَنَّ الشَّفَاعَةَ لَا تَكُونُ إلَّا فِي زِيَادَةِ التَّفَضُّلِ، وَأَهْلُ التَّفَضُّلِ وَزِيَادَتِهِ إنَّمَا هُمْ أَهْلُ الثَّوَابِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ {وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ} [النساء: ١٧٣] .
وَعَنْ الْحَسَنِ " وَاَللَّهِ مَا يَكُونُ لَهُمْ شَفِيعٌ أَلْبَتَّةَ " قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ حَمْلُهُ عَلَى انْتِفَاءِ الْأَمْرَيْنِ صَحِيحٌ، وَقَوْلُنَا " انْتِفَاء " خَيْرٌ مِنْ قَوْلِهِ " نَفْي " لِأَنَّ النَّفْيَ فِعْلُ الْفَاعِلِ، فَيُوهِمُ أَنَّهُ مَدْلُولُ اللَّفْظِ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ وَالِاسْتِدْلَالُ لَهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا يَشْفَعُونَ إِلا لِمَنِ ارْتَضَى} [الأنبياء: ٢٨] صَحِيحٌ، وَمَعْنَاهُ ارْتَضَى الشَّفَاعَةَ لَهُ وَكَذَا {إِلا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} [سبأ: ٢٣] وَكَذَا {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلا بِإِذْنِهِ} [البقرة: ٢٥٥] وَإِنْ كَانَتْ الْآيَةُ الْأُولَى أَصَرْحُ فِي اشْتِرَاطِ الِارْتِضَاءِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمَعْنَى لِمَنْ ارْتَضَاهُ فَتَجْتَمِعُ شُرُوطُ حَذْفِ الْعَائِدِ عَلَى الْمَوْصُولِ.
وَكَأَنَّ الزَّمَخْشَرِيَّ أَرَادَ مِنْ هَذَا الْقَوْلِ أَنَّ الْفَاسِقَ غَيْرُ مُرْتَضًى فَلَا تَشْمَلُهُ الشَّفَاعَةُ، لَكِنَّا نَقُولُ الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ إلَّا لِمَنْ ارْتَضَى أَنْ يَشْفَعَ لَهُ، فَحُذِفَ هَذَا وَتُوُسِّعَ فِي الضَّمِيرِ وَنُصِبَ بِالْفِعْلِ وَحُذِفَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute