[مَسْأَلَةٌ نَحْوِيَّةٌ هَلْ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ الْعَشْرُ الْأَخِيرُ أَوْ لَا]
(الْجَوَابُ) الْعَشْرُ مِنْ الشَّهْرِ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: الْآخَرُ وَالْأَوَاخِرُ وَالْأَخِيرُ، وَأَصْلُ ذَلِكَ أَنَّ الْعَشْرَ مِنْ الشَّهْرِ فِيهِ لُغَتَانِ التَّذْكِيرُ وَالتَّأْنِيثُ فَعَلَى التَّأْنِيثِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ يُقَالُ: الْأَوَاخِرُ وَهُوَ الَّذِي تَكَلَّمَ فِيهِ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي الْمَسَائِلِ الْأَرْبَعِ الَّتِي صَنَّفَهَا فِي ذَلِكَ، وَعَلَى التَّذْكِيرِ الْعَشْرُ الْأَوَّلُ وَالْعَشْرُ الْأَوْسَطُ كَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلْنَتَنَبَّهْ لِحِكْمَةٍ بَدِيعَةٍ فِي أَلْفَاظِ الْحَدِيثِ وَهِيَ أَنَّ تَأْنِيثَ الْعَشْرِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ عَدَدُ اللَّيَالِي وَهِيَ مُؤَنَّثَةٌ، وَلِذَلِكَ حُذِفَتْ الْهَاءُ لِلْأَيَّامِ وَاللَّيَالِي جَمِيعًا وَغُلِّبَتْ اللَّيَالِي كَمَا هِيَ الْقَاعِدَةُ فِي التَّارِيخِ وَلِلْأَيَّامِ وَحْدَهَا إذَا قُلْت: صُمْت عَشْرًا عَلَى الْقَاعِدَةِ الْمَعْرُوفَةِ فِي ذَلِكَ.
وَفِي هَذِهِ الطُّرُقِ الثَّلَاثِ الْعَدَدُ مُرَاعًى وَالتَّأْنِيثُ لِأَجْلِهِ، وَأَمَّا تَذْكِيرُهُ فَبِاعْتِبَارِ أَنَّهُ اسْمٌ لِتِلْكَ الْمُدَّةِ الْجَامِعَةِ لِلْأَيَّامِ وَاللَّيَالِي وَلَا يُرَاعَى فِيهِ الْعَدَدُ وَلِذَلِكَ يُطْلَقُ الْعَشْرُ الْأَخِيرُ وَإِنْ جَاءَ الشَّهْرُ نَاقِصًا وَلَيْسَ فِيهِ إلَّا تِسْعٌ.
وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: إنَّ لَفْظَ الْعَشْرِ نُقِلَ عَنْ مَعْنَاهُ الْعَدَدِيِّ إلَى هَذَا الْمَعْنَى وَحِينَئِذٍ لَا يُقَالُ فِي الْعَشْرِ لُغَتَانِ إلَّا بِهَذَيْنِ الِاعْتِبَارَيْنِ وَإِنْ كَانَ النَّوَوِيُّ فِي اللُّغَاتِ أَطْلَقَ اللُّغَتَيْنِ.
إذَا عَرَفْت هَذَا فَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ «الْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ» فَرَاعَى الْمَعْنَى الْعَدَدِيَّ؛ لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ فِي اللَّيَالِي لَا فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ.
وَجَاءَ «كَانَ يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الْأَوْسَطَ» لِأَنَّ الِاعْتِكَافَ شَامِلٌ لِلْمُدَّةِ فَلَا نَظَرَ إلَى الْعَدَدِ.
فَانْظُرْ مَا أَصَحَّ أَلْفَاظَ النُّبُوَّةِ وَالصَّحَابَةِ وَأَدَقَّ مَعَانِيَهَا.
وَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي إذَا قُلْت: كَتَبْته فِي الْعَشْرِ وَكُنْت إنَّمَا كَتَبْته فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ أَنْ تَقُولَ: الْأَخِيرَ وَلَا تَقُولَ: الْأَوَاخِرِ؛ لِأَنَّك إذَا قُلْت: الْأَوَاخِرِ كَانَ مَعْدُودًا وَالْمَعْدُودُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْعَمَلُ فِي جَمِيعِهِ، وَالْغَرَضُ أَنَّ الْكِتَابَةَ لَيْسَتْ فِي جَمِيعِ الْعَشْرِ فَتَعَيَّنَ أَنْ تُرَاعَى الْمُدَّةُ وَيُذْكَرَ اللَّفْظُ فَتَقُولُ: الْأَخِيرِ، وَكَذَلِكَ مَا أَشْبَهَ الْكِتَابَةَ مِمَّا لَا يُوجَدُ فِي جَمِيعِ الْمُدَّةِ.
وَاَلَّذِي قَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي تِلْكَ الْمَسَائِلِ الْأَرْبَعَةِ لَيْسَ فِيهِ مُخَالِفَةٌ لِمَا قُلْنَاهُ فَإِنَّهُ إنَّمَا تَكَلَّمَ فِي الْعَشْرِ مِنْ حَيْثُ هُوَ عَدَدٌ سَوَاءٌ أُخِذَ مِنْ غَيْرِ الشَّهْرِ أَمْ مِنْ الشَّهْرِ عَلَى لُغَةِ التَّأْنِيثِ وَإِرَادَةِ الْعَدَدِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِمَا سِوَى ذَلِكَ، فَإِذَا ضُمَّ مَا ذَكَرْنَاهُ إلَى مَا ذَكَرَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute