يَعْنِي أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ أَقَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ يَطُوفُ عَلَى الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَيَخْلُو بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ رِجَالِهِمْ وَنِسَائِهِمْ وَيَسْتَشِيرُهُ فِيمَنْ يَكُونُ خَلِيفَةً حَتَّى أَجْمَعُوا عَلَى عُثْمَانَ فَحِينَئِذٍ تَابَعَهُ.
فَمَعْنَى قَوْلِ أَحْمَدَ أَنَّهُ مَنْ شَتَمَ فَظَاهِرُ قَوْلِهِ شَتْمٌ لِعُثْمَانَ وَبَاطِنُهُ تَخْطِئَةٌ لِجَمِيعِ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، وَتَخْطِئَتُهُمْ جَمِيعِهِمْ كُفْرٌ فَيَكُونُ زَنْدَقَةً بِهَذَا الِاعْتِبَارِ فَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ شَتْمَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ كُفْرٌ، هَذَا لَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحْمَدَ أَصْلًا وَلَا نَقْلًا، وَأَيْضًا نَقُولُ: إنَّ أَحْمَدَ بِهَذَا يُقْدِمُ عَلَى قَتْلِ سَابِّ عُثْمَانَ فَاَلَّذِي خَرَجَ عَنْ أَحْمَدَ مِنْ أَصْحَابِهِ رِوَايَةً فِي سَابِّ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الصَّحَابَةِ لَمْ يَصْنَعْ شَيْئًا وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ} [الأحزاب: ٥٣] وَقَدْ ذَكَرْت فِي كِتَابِي الْمُسَمَّى بِالسَّيْفِ الْمَسْلُولِ أَنَّ الضَّابِطَ أَنَّ مَا قُصِدَ بِهِ أَذَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ مُوجِبٌ لِلْقَتْلِ كَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ وَمَا لَمْ يُقْصَدْ بِهِ أَذَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُوجِبُ الْقَتْلَ كَمِسْطَحٍ وَحَمْنَةَ.
[فَصْلٌ سَبُّ النَّبِيِّ]
أَمَّا سَبُّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَالْإِجْمَاعُ مُنْعَقِدٌ عَلَى أَنَّهُ كُفْرٌ، وَالِاسْتِهْزَاءُ بِهِ كُفْرٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ} [التوبة: ٦٥] {لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة: ٦٦] بَلْ لَوْ لَمْ تَسْتَهْزِئُوا قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَامٍ فِيمَنْ حَفِظَ شَطْرَ بَيْتٍ مِمَّا هُجِيَ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ كُفْرٌ، وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُ مَنْ أَلَّفَ فِي الْإِجْمَاعِ إجْمَاعَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى تَحْرِيمِ مَا هُجِيَ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكِتَابَتِهِ وَقِرَاءَتِهِ وَتَرْكِهِ مَتَى وُجِدَ دُونَ مَحْوِهِ.
(فَصْلٌ) قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ لَا أَعْلَمُ أَحَدًا يُوجِبُ الْقَتْلَ بِمَنْ سُبَّ مِنْ بَعْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
(فَصْلٌ) رَوَى التِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ كَمَا قَرَأْته عَلَى الشَّيْخِ أَبِي بَكْرٍ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَلِيٍّ الصَّنْهَاجِيِّ قَالَ: أَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْقَسْطَلَّانِيُّ أَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي الْكَرَمِ بْنِ الْبِنَاءِ أَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ الْكَرُوخِيُّ أَنَا أَبُو عَامِرٍ مَحْمُودُ بْنُ الْقَاسِمِ الْأَزْدِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْغُورَجِيُّ أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْمَحْيَوِيُّ أَنَا أَبُو عِيسَى مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنِ سَوْرَةَ التِّرْمِذِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ: بَابٌ فِيمَنْ يَسُبُّ أَصْحَابَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: حَدَّثَنَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute