اجْتَمَعَ مِنْهُ أَنْ يُقَالَ: الْعَشْرُ الْأَوَّلُ وَالْأُوَلُ، وَلَا يُقَالُ: الْأَوَائِلُ وَيُقَالُ: الْعَشْرُ الْأَوَاخِرُ وَالْأَخِيرُ وَلَا يُقَالُ الْآخِرُ، وَيُقَالُ أَيْضًا: لِمَا بَيْنَهُمَا أَيْضًا الْعَشْرُ الْأَوْسَطُ إذَا رَغِبَ التَّذْكِيرَ وَالْمُدَّةَ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ «وَالْعَشْرُ الْوَسَطُ» بِضَمِّ السِّينِ وَفَتْحِهَا جَمْعُ وَسَطِيٍّ إذَا رَاعَيْت التَّأْنِيثَ وَالْعَدَدَ.
وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ بْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنَّ الْوَسَطَ أَقْوَى مِنْ الْأَوْسَطِ. وَالتَّحْقِيقُ مَا قَدَّمْنَاهُ.
وَاعْلَمْ أَنَّ فِي الْأَوَاخِرِ وَفِي الْوَسَطِ تَجَوُّزٌ؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْأَخِيرَةِ إنَّمَا تَصْدُقُ فِي وَاحِدَةٍ وَحَقِيقَةُ الْوُسْطَى لَا تَتَحَقَّقُ إذَا كَانَ الشَّهْرُ كَامِلًا وَلَكِنَّهُمْ أَطْلَقُوا الْأَخِيرَةَ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ لَيَالِي الْعَشْرِ الْآخَرِ تَوَسُّعًا وَكَذَا الْوُسْطَى عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ لَيَالِي الْعَشْرِ الْأَوْسَطِ، وَكَذَا إطْلَاقُ الْأَوَّلِ عَلَى كُلٍّ مِنْ لَيَالِي الْعَشْرِ الْأَوَّلِ، وَأَمَّا إذَا رُوعِيَ التَّذْكِيرُ فَقِيلَ: الْعَشْرُ الْأَوَّلُ أَوْ الْأَوْسَطُ أَوْ الْأَخِيرَةُ فَلَا مَجَازَ فِيهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. انْتَهَى.
[فَائِدَةٌ فِي الطَّلَاق]
(فَائِدَةٌ) تَقَدَّمَ مِنِّي إذَا قَالَ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ طَلَّقْتُك لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّهَا خَبَرِيَّةٌ وَشَرْطُ الْقَوْلِ بِذَلِكَ أَنْ يَكُونَ نَظْمُهَا هَكَذَا مِنْ تَقَدُّمِ الشَّرْطِ وَتَأَخُّرِ الْجَزَاءِ فَلَوْ قَالَ: طَلَّقْتُك إنْ دَخَلْت الدَّارَ كَانَ مَعْنَاهُ تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ بِالدُّخُولِ كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
طُلِّقْتِ إنْ لَمْ تَسْأَلِي أَيُّ بَعْلٍ حَلِيلُكِ
وَيَدُلُّ لَهُ قَوْله تَعَالَى {إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ} [الأحزاب: ٥٠] إلَى قَوْلِهِ {يَسْتَنْكِحَهَا} [الأحزاب: ٥٠] وَالسَّبَبُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ هَذَا اللَّفْظِ عُرْفًا وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا قَدَّمَ الشَّرْطَ عُلِمَ أَنَّ مَا يَأْتِي بَعْدَهُ مُسْتَقْبَلٌ فَإِذَا جَاءَ حَكَمْنَا بِأَنَّهُ خَبَرٌ إذَا قَدَّمَ الْفِعْلَ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي الْإِنْشَاءِ حُمِلَ عَلَيْهِ فَإِذَا أُتِيَ الشَّرْطُ بَعْدَهُ جَعَلْنَاهُ شَرْطًا فِي تَمَامِهِ وَوُقُوعِ أَثَرِهِ لَا فِي أَصْلِهِ وَلَا يَرُدُّ عَلَى هَذَا أَنَّهُ الْمُقَدَّرُ مُتَقَدِّمًا مِنْ جِهَةِ الصِّنَاعَةِ؛ لِأَنَّ طَلُقَتْ صَارَ لَهُ جِهَتَانِ: إحْدَاهُمَا: مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ وَهُوَ إنْشَاؤُهُ لِلطَّلَاقِ، وَالثَّانِيَةُ: مِنْ جِهَةِ الْمَرْأَةِ وَهُوَ وُقُوعُ الطَّلَاقِ عَلَيْهَا.
فَالْجِهَةُ الْأُولَى لَا تَعْلِيقَ فِيهَا، وَالثَّانِيَةُ هِيَ مَحَلُّ التَّعْلِيقِ فَإِذَا تَقَدَّمَ الشَّرْطُ تَأَخَّرَ اللَّفْظُ بِجِهَتَيْهِ جَمِيعًا صُورَةً وَحُكْمًا فَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَثَرٌ؛ لِأَنَّ الْجِهَةَ الثَّانِيَةَ تَابِعَةٌ لِلْجِهَةِ الْأُولَى وَالْجِهَةَ الْأُولَى تَابِعَةٌ لِلشَّرْطِ فَلَا يَصِحُّ.
وَإِذَا تَأَخَّرَ الشَّرْطُ كَانَ مُقَيِّدًا لِمَا أَمْكَنَ تَقْيِيدُهُ وَاَلَّذِي يُمْكِنُ تَقْيِيدُهُ مِنْ الْجِهَتَيْنِ هِيَ الثَّانِيَةُ يَخْتَصُّ بِهَا وَتَكُونُ هِيَ وَحْدَهَا دَلِيلَ الْجَزَاءِ وَتَبْقَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute