{رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة: ٢٠١] أَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى ذَلِكَ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا. كَتَبَهُ دَاعِيًا لِمُصَنَّفِهِ وَلِذُرِّيَّتِهِ بِالرَّحْمَةِ وَالْمَغْفِرَةِ وَجَوَامِعِ الْخَيْرَاتِ فِي الدَّارَيْنِ لِي وَلَهُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْفَصِيحُ الْمُقْرِئُ الشَّافِعِيُّ عَفَا اللَّهُ عَنْهُ، حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ.
[كِتَابُ الطَّهَارَةِ]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كِتَابُ الطَّهَارَةِ قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَرَضِيَ عَنْهُ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ " وَكُلُّ الْمَاءِ طَهُورٌ مَا لَمْ يُخَالِطْهُ نَجَاسَةٌ " لَا يَرِدُ عَلَيْهِ الْمُتَغَيِّرُ تَغَيُّرًا كَثِيرًا بِطَاهِرٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَاءٍ، وَيَسْتَنْبِطُ مِنْهُ أَنَّ الْمُتَغَيِّرَ تَغَيُّرًا كَثِيرًا بِمَا لَا يَسْلُبُ إطْلَاقَ اسْمِ الْمَاءِ عَنْهُ مِنْ الطَّاهِرَاتِ طَهُورٌ، خِلَافًا لِلْعِرَاقِيِّينَ؛ وَيَسْتَنْبِطُ مِنْهُ أَنَّ الْمُسْتَعْمَلَ طَهُورٌ، وَهُوَ الْقَوْلُ الْقَدِيمُ وَمَنْ يَمْنَعُهُ يَعْتَذِرُ بِأَنَّ مَقْصُودَ الشَّافِعِيِّ غَيْرُهُ؛ وَقَدْ يُورِدُ عَلَيْهِ الَّذِي وَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ جَامِدَةٌ، وَهُوَ دُونَ الْقُلَّتَيْنِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِطَهُورٍ وَمَا خَالَطَهُ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِالْمُخَالَطَةِ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ الْمُجَاوَرَةِ فَيَرِدُ عَلَيْهِ إذَا كَانَ كَثِيرًا إلَّا أَنْ نَقُولَ بِوُجُوبِ التَّبَاعُدِ فَلَا يَرِدُ شَيْءٌ وَهُوَ الْجَدِيدُ وَالْأُمُّ مِنْ الْكُتُبِ الْجَدِيدَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُشْرَحَ عَلَى هَذَا وَمَا جَاوَزَ الْقُلَّتَيْنِ يَمْنَعُ أَنَّ مُخَالَطَتَهُ لِلنَّجَاسَةِ وَيَكُونُ حَدُّ الْقُلَّتَيْنِ فَاصِلًا ثُمَّ قَالَ الشَّافِعِيُّ " الْمَاءُ عَلَى الطَّهَارَةِ فَلَا يُنَجَّسُ إلَّا بِنَجَسٍ يُخَالِطُهُ " وَهَذَا يَرُدُّ عَلَى الْمُجَاوِرِ وَيُجَابُ بِمَا سَبَقَ انْتَهَى. نَقْلٌ مِنْ خَطِّهِ.
(مَسْأَلَةٌ) رَجُلٌ جُنُبٌ وَفِي ظَهْرِهِ جِرَاحٌ فَغَسَلَ الصَّحِيحَ وَتَيَمَّمَ عَنْ الْجَرِيحِ، وَصَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ أَحْدَثَ، فَجَاءَ وَقْتُ الْعَصْرِ فَتَوَضَّأَ وُضُوءًا كَامِلًا، فَهَلَّا تَيَمَّمَ لِحَقِّ الْجِرَاحَةِ الَّتِي فِي ظَهْرِهِ لِأَجْلِ الْجَنَابَةِ أَمْ لَا؟
(الْجَوَابُ) الْأَصْلُ الْمُقَرَّرُ أَنَّ التَّيَمُّمَ عَنْ الْحَدَثِ وَعَنْ الْجَنَابَةِ لَا يُبِيحُ إلَّا صَلَاةَ فَرِيضَةٍ وَاحِدَةٍ فَالْمَذْكُورُ اسْتَفَادَ بِتَيَمُّمِهِ اسْتِبَاحَةَ فَرِيضَةٍ وَمَا شَاءَ مِنْ النَّوَافِلِ مَا لَمْ يُحْدِثْ، فَإِذَا أَحْدَثَ امْتَنَعَ عَلَيْهِ النَّفَلُ مُضَافًا إلَى امْتِنَاعِ الْفَرْضِ؛ فَإِذَا تَوَضَّأَ عَادَ إلَى حَالَتِهِ قَبْلَ الْحَدَثِ، وَهُوَ اسْتِبَاحَةُ النَّفْلِ فَقَطْ وَامْتِنَاعُ الْفَرْضِ حَتَّى يَتَيَمَّمَ عَنْ الْجَنَابَةِ، وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ إلَّا عَلَى مَذْهَبِ الْمُزَنِيِّ، فَإِنَّهُ يُصَلِّي بِهِ أَكْثَرَ مِنْ فَرْضٍ؛ أَمَّا عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ فَلَا وَمِمَّنْ صَرَّحَ أَنَّ الْجُنُبَ إذَا حَصَلَ عَلَيْهِ وَقْتُ صَلَاةٍ أُخْرَى يُعِيدُ التَّيَمُّمَ ابْنُ الصَّبَّاغِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute