للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَاتَ عَمْدًا كُنْت أَجْزِمُ بِأَنَّهُ لَا يَزُولُ النَّقْصُ بِالتَّوْبَةِ عَنْ تَرْكِهِ.

وَلَمْ أَجِدْ إلَّا قَوْلَهُ «إنِّي صَائِمٌ» إذَا شَاتَمَهُ أَحَدٌ فَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْأَمْرُ بِهِ فَلَوْ تَعَمَّدَ تَرْكَهُ يَبْقَى النَّظَرُ فِي عَدِّهِ جُزْءًا مِنْ الصَّوْمِ. فَإِنْ ثَبَتَ ذَلِكَ ظَهَرَ النَّقْصُ وَإِنَّهُ لَا يَزُولُ بِالتَّوْبَةِ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ ثَلْمٍ وَلَا احْتِمَالٍ، وَيُمْكِنُ الِاكْتِفَاءُ بِمَا نَقَلَهُ ابْنُ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيِّ مِنْ الْإِجْمَاعِ فِي الصَّلَاةِ وَيُقَاسُ عَلَيْهِ الصَّوْمُ وَإِطْلَاقُهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَتُوبَ أَوْ لَا يَتُوبَ وَكُلُّ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي التَّوْبَةِ يَظْهَرُ أَنَّهُ يَأْتِي مِثْلُهُ فِي تَكْفِيرِ الصَّغَائِرِ بِغَيْرِ التَّوْبَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: كَتَبَهُ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْكَافِي بْنِ عَلِيِّ بْنِ تَمَامٍ بْنِ يُوسُفَ بْنِ مُوسَى بْنِ تَمَامٍ السُّبْكِيُّ غَفَرَ اللَّهُ لَهُمْ فِي نِصْفِ نَهَارِ السَّبْتِ الثَّالِثَ عَشَرَ مِنْ شَهْرِ اللَّهِ الْمُحَرَّمِ سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ بِظَاهِرِ دِمَشْقَ الْمَحْرُوسَةِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

[بَابُ الِاعْتِكَافِ]

(قَدْرُ الْإِمْكَانِ الْمُخْتَطَفِ فِي دَلَالَةِ " كَانَ إذَا اعْتَكَفَ ")

(مَسْأَلَةٌ) قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قَوْلُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا اعْتَكَفَ يُدْنِي إلَيَّ رَأْسَهُ» وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ مِنْ الْمَوَاضِعِ الَّتِي يَجِيءُ خَبَرُ " كَانَ " فِيهَا جُمْلَةً شَرْطِيَّةً هَلْ يَدُلُّ عَلَى وُجُودِ الشَّرْطِ أَوْ الْجَزَاءِ أَوْ لَا؟ وَقَالَ: قَالَ ابْنِي أَبُو حَامِدٍ بَارَكَ اللَّهُ فِي عُمُرِهِ إنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِأَنَّ اعْتَكَفَ فِعْلٌ مُسْتَقْبَلُ الْمَعْنَى لِوُقُوعِهِ بَعْدَ أَدَاةِ الشَّرْطِ وَ " كَانَ " وَإِنْ دَلَّتْ عَلَى مُضِيِّ مَضْمُونِ خَبَرِهَا فَمَضْمُونُ الْخَبَرِ تَرَتُّبُ الْجَزَاءِ عَلَى الشَّرْطِ وَهُوَ كَوْنُهُ إذَا وَقَعَ مِنْهُ الِاعْتِكَافُ يُدْنِي رَأْسَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يَلْزَمُ مِنْهُ وُقُوعُ الِاعْتِكَافِ كَمَا لَوْ قُلْت: " كَانَ زَيْدٌ إنْ جَاءَ أَكْرَمْتُهُ " لَا يَلْزَمُ وُقُوعُ الْمَجِيءِ مِنْهُ بَلْ الْمَاضِي مَضْمُونُ الْجُمْلَةِ الْخَبَرِيَّةِ بِجُمْلَتِهَا وَمَضْمُونُهَا حُصُولُ الْجَزَاءِ عِنْدَ الشَّرْطِ، وَفِعْلُ الشَّرْطِ قَيْدٌ فِيهَا لَا بَعْضٌ مِنْهَا وَلَا مِنْ مَدْلُولِهَا وَ " إذَا " وَإِنْ دَلَّتْ عَلَى تَحَقُّقِ مَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ أَوْ رُجْحَانِهِ فَلَا يَلْزَمُ التَّحَقُّقُ فِي الْخَارِجِ بَلْ فِي الذِّهْنِ، فَإِذَا قُلْتَ: " إذَا جَاءَ زَيْدٌ أَكْرَمْتُهُ " فَمَعْنَى التَّحَقُّقِ أَنَّ الْمُتَكَلِّمَ تَحَقَّقَ أَنَّهُ سَيَقَعُ هَذَا الشَّرْطُ وَلَا يَلْزَمُ مُطَابَقَةُ هَذَا التَّحَقُّقِ لِلْخَارِجِ لِجَوَازِ عَدَمِ الْمُطَابَقَةِ، وَقَوْلُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا اعْتَكَفَ» غَايَتُهُ تَحَقُّقُ أَنَّ الِاعْتِكَافَ سَيَقَعُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَلَيْسَ دَالًّا عَلَى أَنَّهُ وَقَعَ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا دَلَالَةَ لَهُ عَلَى وُقُوعِ الْفِعْلِ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَالَ وُرُودِ هَذَا الْحَدِيثِ وَلَا قَبْلَهُ مِنْ هَذَا اللَّفْظِ فَإِنْ قِيلَ: تَحَقُّقُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهُ سَيَقَعُ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ وُقُوعُهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>