فَعَلَى هَذَا قَدْ تَكُونُ قُوَّةُ الصِّدْقِ فِي لِسَانِ الْمَفْضُولِ أَقْوَى مِنْهَا فِي قَلْبِ الْمَفْضُولِ وَالْقَلْبُ أَكْمَلُ مِنْ اللِّسَانِ فَيَزُولُ الْإِشْكَالُ، عَلَى أَنَّهُمَا لَوْ اسْتَوَيَا فِي الْقُوَّةِ الْقَلْبِيَّةِ وَتَرَجَّحَ الْمَفْضُولُ بِالْقُوَّةِ اللِّسَانِيَّةِ وَلِلْفَاضِلِ مُرَجِّحَاتٌ أُخَرُ لَمْ يَلْزَمْ إشْكَالٌ، وَقَدْ يُقَالُ: إنَّهُمَا لَوْ اسْتَوَيَا فِي الْقُوَّةِ اللِّسَانِيَّةِ وَالْقَلْبِيَّةِ فِي هَذِهِ الصِّفَةِ خَاصَّةً فَبَانَ لِلْفَاضِلِ صِفَاتٌ أُخْرَى كَثِيرَةٌ مُرَجِّحَةٌ، وَكُلُّ ذَلِكَ إنَّمَا قُلْنَا لِبَيَانِ التَّفَاوُتِ فِي الْقُوَّةِ، أَمَّا الصِّدْقُ بِالْفِعْلِ وَهُوَ الْإِخْبَارُ الْمُطَابِقُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا تَفَاوُتَ فِيهِ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ اللَّذَيْنِ يُعْلَمُ مِنْهُمَا أَنَّهُمَا لَا يَكْذِبَانِ وَأَنَّهُمَا يَتَحَرَّيَانِ الصِّدْقَ، وَكُلٌّ مِنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَأَبِي ذَرٍّ وَجَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ فِي غَايَةِ التَّحَرِّي فِي الصِّدْقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. انْتَهَى.
[مَسْأَلَةٌ حَدِيث طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ]
مَا يَقُولُ السَّادَةُ الْعُلَمَاءُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِي الْحَدِيثِ الَّذِي مَتْنُهُ
«طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ» هَلْ هُوَ ثَابِتٌ فِي الصَّحِيحِ أَمْ لَا؟ فَقَدْ قَالَ قَائِلٌ: إنَّهُ فِي الْبُخَارِيِّ وَآخَرُ: إنَّهُ فِي مُسْلِمٍ وَآخَرُ إنَّهُ غَيْرُ ثَابِتٍ وَنُقِلَ ذَلِكَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ. (الْجَوَابُ) أَلْهَمَك اللَّهُ الصَّوَابَ الْحَمْدُ لِلَّهِ: هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ هِشَامِ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ حَفْصِ ابْنِ سَلْمَى عَنْ كَثِيرِ بْنِ شِنْظِيرَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ وَوَاضِعُ الْعِلْمِ عِنْدَ غَيْرِ أَهْلِهِ كَمُقَلِّدِ الْخَنَازِيرِ الْجَوْهَرَ وَاللُّؤْلُؤَ وَالذَّهَبَ» وَكَثِيرُ بْنُ شِنْظِيرَ مُخْتَلَفٌ فِي تَوْثِيقِهِ وَتَضْعِيفِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. كَتَبَهُ عَلِيٌّ السُّبْكِيُّ انْتَهَى.
(مَسْأَلَةٌ) وَرَدَ مِنْ طَرَابُلُسَ مِنْ فَخْرِ الدِّينِ بْنِ الْمَأْمُونِ فِي مُسْتَهَلِّ جُمَادَى الْآخِرِ سَنَةَ ٧٣٩ وَهُوَ أَنَّهُ وَرَدَ مِنْ الْحَدِيثِ فِي الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ «أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَأْمُرُ آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنْ يَبْعَثَ بَعْثَ النَّارِ فَيَقُولُ آدَم: يَا رَبِّ وَمَا بَعْثُ النَّارِ فَيَقُولُ: مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعُمِائَةٍ وَتِسْعُونَ وَأَنَّ الصَّحَابَةَ شَقَّ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبْشِرُوا فَإِنَّ مِنْكُمْ وَاحِدًا وَمِنْ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ بَاقِي الْأَلْفِ.» فَهَذِهِ الْمُخَاطَبَةُ لِأُمَّةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا شَكَّ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ مِنْ غَيْرِ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَثِيرًا مِنْ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْأُمَمِ السَّالِفَةِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ كُلَّ الْكَافِرِينَ مَقْطُوعٌ لَهُمْ بِالنَّارِ فَمَا وَجْهُ التَّخْصِيصِ بِيَأْجُوجَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute