للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَمْ يُنْقَضْ وَهَذَا الْحُكْمُ لَمْ نَجِدْ فِي كَلَامِ الْحَنَابِلَةِ الَّذِينَ اسْتَنَدَ إلَيْهِمْ مَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ دَلِيلًا نَعَمْ عِنْدَنَا دَلِيلٌ آخَرُ وَهُوَ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي كَلَامِنَا؛ يَبْقَى نَظَرٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ الْحَاكِمَ الْحَنْبَلِيَّ إذَا لَمْ يَسْتَنِدْ إلَى دَلِيلٍ وَلَكِنْ اسْتَنَدَ إلَى مَا ذَكَرَهُ أَصْحَابُهُ وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ لَا دَلِيلَ فِيهِ هَلْ يَكُونُ مُدَافَعَةُ حُكْمِهِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الدَّلِيلِ مَانِعًا مِنْ نَقْضِهِ أَمْ لَا؟ هَذَا يُحْتَمَلُ وَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مَانِعًا فَإِنَّ مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ الْحُكْمِ الْإِسْنَادُ إلَى دَلِيلٍ صَحِيحٍ فَإِنْ وَجَدْنَا إسْجَالَ الْحَاكِمِ مُطْلَقًا غَيْرَ مُسْتَنَدٍ إلَى سَبَبٍ وَوَجَدْنَا دَلِيلًا صَحِيحًا لَمْ يَكُنْ لَنَا نَقْضُهُ بَلْ نُحْسِنُ الظَّنَّ بِهِ وَنَعْتَقِدُ أَنَّهُ اسْتَنَدَ إلَى مَا ظَهَرَ لَنَا مِنْ الدَّلِيلِ أَوْ إلَى دَلِيلٍ مِثْلِهِ، وَإِنْ بَيَّنَ الْمُسْتَنَدَ وَرَأَيْنَاهُ غَيْرَ صَالِحٍ وَلَا تَشْهَدُ قَوَاعِدُ الشَّرِيعَةِ بِصِحَّتِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُنْقَضَ وَنَحْكُمَ حُكْمًا مُسْتَنِدًا إلَى دَلِيلٍ صَحِيحٍ، لَكِنْ أَرَى مِنْ بَابِ الْمَصْلَحَةِ أَنْ لَا يُنْقَضَ وَيُنَفَّذَ لِئَلَّا يَجْسُرَ النَّاسُ عَلَى نَقْضِ أَحْكَامِ الْحُكَّامِ وَيُجْعَلُ التَّنْفِيذُ كَأَنَّهُ حُكْمٌ مُبْتَدَأٌ مُسْتَقِلٌّ وَلَوْ حَكَمَ الْحَاكِمُ الْمُنَفِّذُ بِحُكْمٍ مُسْتَنَدٍ إلَى دَلِيلٍ مُوَافِقٍ الْأَوَّلَ وَبَقِيَ الْأَوَّلُ عَلَى حَالِهِ كَانَ أَوْلَى وَأَجْمَعَ لِلْمَصَالِحِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى.

[فَصْلٌ فُرُوعٌ مُهِمَّةٌ مِنْ كِتَابِ الْوَقْفِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ]

[فَرَعٌ هَلْ يُشْتَرَطُ فِي الْوَقْفِ الْقَبُولُ]

(فَصْلٌ) قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هَذِهِ فُرُوعٌ مُهِمَّةٌ مِنْ كِتَابِ الْوَقْفِ، وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ: (الْأَوَّلُ) هَلْ يُشْتَرَطُ فِي الْوَقْفِ الْقَبُولُ؟ قَالَ الشَّافِعِيُّ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْبُوَيْطِيِّ: الْحَبْسُ يَتِمُّ بِكَلَامِ الْمُحْبِسِ، وَلَا احْتِيَاجَ فِيهِ إلَى قَبْضٍ ثُمَّ قَالَ: وَأَصْلُ الْحَبْسِ أَنْ يَقُولَ: دَارِي هَذِهِ حَبْسٌ، أَوْ صَدَقَةٌ مُحَرَّمَةٌ، أَوْ صَدَقَةٌ مَوْقُوفَةٌ، وَلَا يَجُوزُ شَيْءٌ مِنْ هَذَا حَتَّى يَصِفَ مِنْ حِلْيَتِهِمَا عَلَيْهِ، وَسَوَاءٌ كَانَ قَوِيًّا بِأَعْيَانِهِمْ، أَوْ بِغَيْرِ أَعْيَانِهِمْ انْتَهَى.

وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ الْقَبُولَ، وَقَالَ الْإِمَامُ: الْعَطِيَّةُ الَّتِي تَتِمُّ بِكَلَامِ الْمُعْطِي دُونَ أَنْ يَقْبِضَهَا الْمُعْطَى مَا كَانَ إذَا خَرَجَ بِهِ الْكَلَامُ مِنْ الْمُعْطَى لَهُ جَائِزًا عَلَى مَا أَعْطَى لَمْ يَكُنْ لِلْمُعْطِي أَنْ يَمْلِكَ مَا خَرَجَ مِنْهُ، فِيهِ الْكَلَامُ بِوَجْهٍ أَبَدًا، وَهَذِهِ الْعَطِيَّةُ الصَّدَقَاتُ الْمَوْقُوفَاتُ الْمُحَرَّمَاتُ عَلَى قَوْمٍ بِأَعْيَانِهِمْ وَقَوْمٍ مَوْصُوفِينَ، ثُمَّ قَالَ فِي الْأُمِّ بَعْدَ هَذَا بِأَسْطُرٍ، وَفِي هَذَا الْمَعْنَى الْعِتْقُ إذَا تَكَلَّمَ الرَّجُلُ بِعِتْقِ مَنْ يَجُوزُ لَهُ عِتْقُهُ تَمَّ الْعِتْقُ، وَلَمْ يَحْتَجْ إلَى أَنْ يَقْبَلَهُ الْمُعْتِقُ، وَلَمْ يَكُنْ لِلْمُعْتَقِ مِلْكُهُ، وَلَا لِغَيْرِهِ مِلْكُ رِقٍّ يَكُونُ لَهُ فِيهِ بَيْعٌ، وَلَا هِبَةٌ، وَلَا مِيرَاثٌ بِحَالٍ، وَقَالَ أَيْضًا فِيمَنْ بَيَّنَ ذَلِكَ: وَلَوْ مَاتَ مَنْ جَعَلْت هَذِهِ الصَّدَقَةَ عَلَيْهِ قَبْلَ قَبْضِهَا وَقَدْ أَغَلَّتْ غَلَّةً أَخَذَ وَارِثُهُ حِصَّتَهُ مِنْ غَلَّتِهَا؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ هُوَ مَالِكُهَا كَمَا يَكُونُ لَهُ غَلَّةُ أَرْضٍ لَوْ غَصَبَهَا، أَوْ وَدِيعَةٌ فِي يَدِ غَيْرِهِ، وَقَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: وَتَتِمُّ الصَّدَقَاتُ الْمُحَرَّمَاتُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَا مَالِكُهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>