الْقُضَاةِ فِي تَارِيخِهِ جَلَالُ الدِّينِ نَاظِرِ الْأَيْتَامِ أَنْ يَنْظُرَ فِيمَا ثَبَتَ اسْتِحْقَاقُ الْبَنَاتِ الثَّلَاثِ الْأَخَوَاتِ إلَى أَنْ يَتَعَيَّنَ مَنْ يَسْتَحِقُّ النَّظَرَ فِي الْوَقْفِ الْمَذْكُورِ وَأَشْهَدَ قَاضِي الْقُضَاةِ جَلَالُ الدِّينِ عَلَيْهِ بِذَلِكَ فِي الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ مِنْ صَفَرٍ سَنَةَ تِسْعٍ وَثَلَاثِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ، وَاسْتَفْتَى فِي هَذَا الْحُكْمِ إذَا رُفِعَ إلَى حَاكِمٍ آخَرَ هَلْ يَسُوغُ لَهُ نَقْضُهُ يَعْنِي حُكْمَ الزَّرْعِيِّ وَتَنْفِيذَهُ فَأَجَابَ جَمَاعَةٌ مِنْ جَمِيعِ الْمَذَاهِبِ بِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ نَقْضُهُ وَمِنْهُمْ مِنْ الْحَنَابِلَةِ مَنْ عَلَّلَ بِأَنَّهُ مِنْ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ وَالْحَاكِمُ إذَا حَكَمَ فِي مَسْأَلَةٍ الْخِلَافُ يَرْتَفِعُ.
كَتَبَهُ يُوسُفُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَنْبَلِيُّ فَأَمَّا الْقَوْلُ الْأَوَّلُ وَأَكَّدَ ذَلِكَ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَنْتَقِلُ النِّصْفُ لِبَنَاتِ مُحَمَّدٍ فَدَعْوَى، وَقَوْلُهُ إنَّهُنَّ يَقُمْنَ فِي الِاسْتِحْقَاقِ مَقَامَ وَالِدِهِنَّ أَيْضًا دَعْوَى لَيْسَ فِي شَرْطِ الْوَاقِفِ تَصْرِيحٌ بِهَا وَقَوْلُهُ إنَّهُ لَا يَمْنَعُ مِنْ اسْتِحْقَاقِهِنَّ كَوْنُ وَالِدِهِنَّ كَانَ مَحْجُوبًا صَحِيحٌ، لَكِنْ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ هَذَا لَا يَمْنَعُ أَنْ لَا يَمْنَعَ غَيْرُهُ، وَلَا مِنْ كَوْنِهِ لَا يَمْنَعُ وُجُودُ الْمُقْتَضَى لِلِاسْتِحْقَاقِ فَلَمْ يَأْتِ بِدَلِيلٍ عَلَيْهِ، وَأَمَّا قَوْلُ الْآخَرِ وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ وَهُوَ ابْنُ قَيِّمٍ الْجَوْزِيَّةُ يَنْتَقِلُ النِّصْفُ فَهُوَ أَيْضًا دَعْوَى وَقَوْلُهُ وَلَا يَمْنَعُ مِنْ اسْتِحْقَاقِهِنَّ عَدَمُ تَنَاوُلِ أَبِيهِنَّ جَوَابُهُ مَا تَقَدَّمَ، وَقَوْلُهُ بِأَنَّهُ كَانَ مَحْجُوبًا بِأَبِيهِ إلَى آخِرِهِ مُنَازَعٌ فِيهِ فَإِنَّ كَلَامَ الْعُلَمَاءِ فِيهِ مَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَصِيرُ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ حَتَّى يَنْقَرِضَ مَنْ قَبْلَهُ وَإِنَّمَا يُطْلِقُ أَهْلُ الْوَقْفِ عَلَى مَنْ يَتَنَاوَلُ وَإِنْ كَانَ الْآخَرُ مُحْتَمِلًا فَأَخْذُهُ هَذَا مُسْلِمًا لَيْسَ بِجَيِّدٍ بَلْ يَحْتَاجُ أَنْ يَأْتِيَ بِدَلِيلٍ عَلَيْهِ، وَقَوْلُهُ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ مَمْنُوعًا بِرِقٍّ أَوْ كُفْرٍ إلَى آخِرِهِ فِيهِ نَظَرٌ يَحْتَاجُ إلَى تَصْوِيرٍ فَإِنَّهُ مَتَى وَقَفَ عَلَى وَلَدِهِ ثُمَّ عَلَى وَلَدِ وَلَدِهِ وَكَانَ وَلَدُهُ كَافِرًا أَوْ رَقِيقًا لَا يَسْتَحِقُّ وَلَدُ الْوَلَدِ شَيْئًا فِي حَيَاةِ أَبِيهِ وَإِنْ كَانَ كَافِرًا وَفِيهِ فَيَحْتَاجُ أَنْ يُبَيِّنَ الصُّورَةَ الَّتِي أَرَادَهَا وَحُكْمَهَا نَقْلًا وَدَلِيلًا وَقَوْلُهُ وَيُؤَيِّدُ هَذَا إلَى آخِرِهِ هَذَا هُوَ عُمْدَةُ الْحَنَابِلَةِ وَهُوَ الِاعْتِمَادُ عَلَى الْمَعْنَى وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ لِلْوَاقِفِ مَقْصُودٌ فِي مُرَاعَاةِ الْقُرْبِ، وَقَوْلُهُ وَالْقُرْبُ مِنْ الْوَاقِفِ ذُهُولٌ عَنْ صُورَةِ الِاسْتِفْتَاءِ؛ لِأَنَّهُ فِي الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ لَا فِي الْوَاقِفِ، وَأَمَّا مَا قَالَ الْآخَرُ فَجَوَابُهُ مَا سَبَقَ.
فَتَبَيَّنَ أَنَّ فَتَاوَى الْحَنَابِلَةِ لَمْ تَشْتَمِلْ عَلَى حُجَّةٍ وَأَمَّا الْفَتَاوَى بِعَدَمِ النَّقْضِ فَكُلُّهَا لَمْ يُبَيَّنْ فِيهَا الْمُسْتَنَدُ إلَّا يُوسُفُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَنْبَلِيُّ بِقَوْلِهِ بِأَنَّهُ مِنْ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ لَمْ نَجِدْهَا مَسْطُورَةً وَإِنَّمَا يُطْلَقُ الْمُخْتَلَفُ فِيهِ عَلَى مَا فِيهِ خِلَافٌ لِلْمُتَقَدِّمِينَ وَأَمَّا مَا يَقَعُ لَنَا فَتَتَجَاذَبُ الْآرَاءُ فِيهَا فَلَا يُقَالُ إنَّهَا مِنْ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يُنْظَرَ فِيهَا فَإِنْ اتَّضَحَ دَلِيلٌ عَلَيْهَا اُتُّبِعَ وَإِلَّا فَلَا وَإِنْ حَكَمَ الْحَاكِمُ فِيهَا بِحُكْمٍ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَلِيلٌ يَنْبَغِي جَوَازُ نَقْضِهِ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَلِيلٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute