الْوَقْفِ عَدَمُ الِاسْتِحْقَاقِ فَلَا يُحْكَمُ بِهِ لِلشَّكِّ، وَالِاحْتِمَالُ الْأَوَّلُ أَرْجَحُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(تَنْبِيهٌ) لَمَّا تَجَاذَبَتْ عِنْدِي الِاحْتِمَالَاتُ وَلَمْ أَسْتَطِعْ الْجَزْمَ بِالْقَوْلِ بِاسْتِحْقَاقِ أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ فِي حَيَاةِ بَعْضِ الْأَوْلَادِ وَإِقَامَتِهِنَّ مَقَامَ آبَائِهِنَّ؛ لِأَنِّي لَمْ أَرَ لِي سَلَفًا تَطَلَّبْتُ أَحْكَامَ الْحُكَّامِ الَّذِينَ سَلَفُوا وَأَقْوَالَ الْعُلَمَاءِ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ وَالْمُتَقَدِّمِينَ لَعَلَّ يَكُونُ فِيهَا مُسْتَنَدًا مَا إمَّا لِهَذَا وَإِمَّا لِضِدِّهِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ كَثِيرَةُ الْوُقُوعِ فِي الْأَوْقَافِ تَعُمُّ بِهَا الْبَلْوَى، وَقَدْ رَأَيْت جَمَاعَةً مِنْ أَصْحَابِنَا الشَّافِعِيَّةِ وَمِنْ الْحَنَابِلَةِ وَمِنْ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ أَفْتَوْا بِاخْتِصَاصِ الْعَمَّتَيْنِ عَنْ بَنَاتِ أَخِيهِمَا وَكَذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا الشَّافِعِيَّةِ بِالشَّامِ وَاسْتَنْكَرُوا الْفَتْوَى بِخِلَافِ ذَلِكَ وَرَأَيْت جَمَاعَةً مِنْ الْحَنَابِلَةِ بِالشَّامِ أَفْتَوْا بِعَدَمِ الِاخْتِصَاصِ فَقَالَ أَحَدُهُمْ يَنْتَقِلُ النِّصْفُ لِبَنَاتِ مُحَمَّدٍ وَيَقُمْنَ فِي الِاسْتِحْقَاقِ مَقَامَ وَالِدِهِنَّ لَوْ بَقِيَ حَيًّا لَا يَمْنَعُ مِنْ اسْتِحْقَاقِهِنَّ ذَلِكَ كَوْنُ وَالِدِهِنَّ كَانَ مَحْجُوبًا.
كَتَبَهُ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحَنْبَلِيُّ؛ وَتَحْتَهُ كَذَلِكَ يَقُولُ عِبَادَةُ وَقَالَ الْآخَرُ يَنْتَقِلُ النِّصْفُ إلَى بَنَاتِ مُحَمَّدٍ وَلَا يَمْنَعُ مِنْ اسْتِحْقَاقِهِنَّ عَدَمُ تَنَاوُلِ أَبِيهِنَّ فَإِنَّهُ كَانَ مَحْجُوبًا بِآبَائِهِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ وَلَكِنَّ وُجُودَ أَبِيهِ مَنَعَهُ مِنْ التَّنَاوُلِ مَعَ قِيَامِ الْمُقْتَضَى، وَهَذَا الْمَانِعُ لَمْ يُوجَدْ فِي بَنَاتِهِ، وَالْبَطْنُ الثَّانِي إنَّمَا يَتَلَقَّوْنَ عَنْ الْوَقْفِ وَوُجُودُ الْأَعْلَى مَانِعٌ مِنْ تَنَاوُلِ مَنْ دُونَهُ وَلَيْسَ تَنَاوُلُهُ شَرْطًا فِي تَنَاوُلِ مَنْ بَعْدَهُ إذَا قَامَ بِهِ شَرْطُ التَّنَاوُلِ وَيُؤَيِّدُ هَذَا أَنَّ أَحَدًا لَا يَكَادُ يَقْصِدُ حِرْمَانَ أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ الْأَيْتَامِ وَإِبْقَائِهِنَّ بِوَصْفِ الْحَاجَةِ وَالْفَاقَةِ وَتَوْفِيرِ الْوَقْفِ كُلِّهِ عَلَى مَنْ هُوَ نَظِيرُهُمْ فِي الدَّرَجَةِ وَالْقُرْبِ مِنْ الْوَاقِفِ فَهَذَا لَيْسَ مِنْ عَادَةِ الْعُقَلَاءِ.
كَتَبَهُ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْحَنْبَلِيُّ، وَقَالَ الْآخَرُ مِنْهُمْ يَنْتَقِلُ النِّصْفُ إلَى بَنَاتِ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ الْوَاقِفَ قَصَدَ تَخْصِيصَ أَوْلَادِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ وَأَنْسَالِهِمْ دُونَ غَيْرِهِمْ أَكَّدَ ذَلِكَ فِي مَوَاضِعَ مِنْ كِتَابِ الْوَقْفِ وَيَقُمْنَ بَنَاتُ الْمَذْكُورِ فِي الِاسْتِحْقَاقِ مَقَامَ وَالِدِهِنَّ لَوْ كَانَ حَيًّا فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ حَيًّا اسْتَحَقَّ النِّصْفَ وَلَكِنْ مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ مَانِعٌ وَهُوَ وَفَاتُهُ فِي حَيَاةِ أَبِيهِ فَيَنْتَقِلُ نَصِيبُهُ إلَى أَوْلَادِهِ دُونَ غَيْرِهِنَّ وَوُجُودُ الَّتِي وَسَفْرَى لَمْ يَكُنْ مَانِعًا لِبَنَاتِ مُحَمَّدٍ مِنْ التَّنَاوُلِ لِمَا كَانَ يَسْتَحِقُّهُ وَالِدُهُنَّ لَوْ كَانَ حَيًّا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
كَتَبَهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنَجَّا الْحَنْبَلِيُّ.
هَذِهِ فَتَاوَى الْحَنَابِلَةِ، وَحَكَمَ بُرْهَانُ الدِّينِ الْحَنْبَلِيُّ الزَّرْعِيُّ بِمُقْتَضَاهَا فِي الثَّانِي مِنْ رَمَضَانَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَلَاثِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ وَنَفَّذَهُ فِي تَارِيخِهِ مُسْتَنِيبُهُ قَاضِي الْقُضَاةِ عَلَاءُ الدِّينِ وَنَفَّذَهُ فِي تَارِيخِهِ قَاضِي الْقُضَاةِ عِمَادُ الدِّينِ الْحَنَفِيُّ وَنَفَّذَهُ فِي ثَالِثِ رَمَضَانَ قَاضِي الْقُضَاةِ شَرَفُ الدِّينِ الْمَالِكِيُّ وَنَفَّذَهُ قَاضِي الْقُضَاةِ جَلَالُ الدِّينِ فِي تَارِيخِهِ ثَالِثِ رَمَضَانَ الْمَذْكُورِ ثُمَّ أَذِنَ جَلَالُ الدِّينِ قَاضِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute