«إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ» فَمَنْ ادَّعَى تَحْلِيلَ شَيْءٍ مِنْهَا فَهُوَ الْمُطَالَبُ بِالدَّلِيلِ. وَهَذَا عُمْدَةٌ جَيِّدَةٌ فِي هَذَا الْبَحْثِ وَمَا أَشْبَهَهُ فِي كُلِّ مَنْ ادَّعَى حِلَّ مَالٍ، وَمَا خَرَجَ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ بِدَلِيلٍ فَهُوَ مَخْصُوصٌ وَيَبْقَى فِيمَا عَدَاهُ عَلَى مُقْتَضَى الْعُمُومِ لَا يَنْفَعُ فِي دَفْعِ هَذَا قَوْله تَعَالَى {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: ٢٧٥] لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِبَيْعٍ، وَلَا تَقْرِيرٍ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْمُعَاوَضَاتِ الْإِبَاحَةُ بَلْ هَذَا أَصْلٌ فِي تَحْرِيمِ كُلِّ مَالٍ حَتَّى يَتَحَقَّقَ سَبَبٌ يَدُلُّ الشَّرْعُ عَلَى إبَاحَتِهِ أَوْ إبَاحَةِ الِاعْتِيَاضِ فِيهِ وَمَهْمَا شَكَكْنَا فَالْمَطْلُوبُ بِالدَّلِيلِ مُدَّعِي الْإِبَاحَةِ لَا مُدَّعِي التَّحْرِيمِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[كِتَابُ الْأَيْمَانِ]
(كِتَابُ الْأَيْمَانِ) (مَسْأَلَةٌ) وَرَدَتْ مِنْ الْقُدْسِ أَرْسَلَهَا الْحَافِظُ صَلَاحُ الدِّينِ الْعَلَائِيُّ صُورَتُهَا: الْمَسْئُولُ مِنْ سَيِّدِنَا قَاضِي الْقُضَاةِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ الْجَوَابُ عَنْ مَسْأَلَةٍ وَقَعَتْ فِي الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ وَهِيَ أَنَّهُ إذَا حَلَفَ لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ هَلْ يَحْنَثُ بِقِرَاءَةِ الْبَعْضِ أَوْ يَتَوَقَّفُ الْحِنْثُ عَلَى قِرَاءَةِ الْجَمِيعِ وَلَوْ حَلَفَ لَيَقْرَأَنَّ الْقُرْآنَ هَلْ يَبْرَأُ بِقِرَاءَةِ بَعْضِهِ أَوْ لَا يَبْرَأُ إلَّا بِقِرَاءَةِ كُلِّهِ وَرُبَّمَا يَخْتَلِجُ فِي الذِّهْنِ أَنَّهُ فِي جَانِبِ النَّفْيِ يَحْنَثُ بِالْبَعْضِ وَفِي جَانِبِ الْإِثْبَاتِ لَا يَبْرَأُ إلَّا بِقِرَاءَةِ الْجَمِيعِ فَهَلْ هَذَا صَحِيحٌ أَمْ لَا؟ وَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَمَا الْفَرْقُ، وَهَلْ لَفْظُ الْقُرْآنِ مِنْ الْأَلْفَاظِ الْمُتَوَاطِئَةِ الَّتِي تُطْلَقُ عَلَى الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَطَّرِدَ ذَلِكَ فِي جَانِبِ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ أَوْ لَا يُطْلَقُ إلَّا عَلَى الْجَمِيعِ وَتَكُونُ الْأَلِفُ وَاللَّامُ لِلْعَهْدِ فَلَا يَفْتَرِقُ الْحَالُ فِي النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ. وَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْ صَدَقَاتِ مَوْلَانَا قَاضِي الْقُضَاةِ - أَحْسَنَ اللَّهُ - إلَيْهِ وَأَدَامَ أَنْعُمَهُ عَلَيْهِ.
(الْجَوَابُ) الْحَمْدُ لِلَّهِ إذَا حَلَفَ لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ لَا يَحْنَثُ إلَّا بِقِرَاءَةِ الْجَمِيعِ. وَإِذَا حَلَفَ لَيَقْرَأَنَّ الْقُرْآنَ لَا يَبْرَأُ إلَّا بِقِرَاءَةِ الْجَمِيعِ. وَلَا يَحْنَثُ بِقِرَاءَةِ بَعْضِهِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَلَا يَبْرَأُ بِقِرَاءَةِ بَعْضِهِ فِي الثَّانِيَةِ.
وَمَا ذُكِرَ أَنَّهُ يَخْتَلِجُ فِي الذِّهْنِ مِنْ الْحِنْثِ بِبَعْضِهِ فِي جَانِبِ النَّفْيِ وَعَدَمِ الْبِرِّ بِبَعْضِهِ فِي الْإِثْبَاتِ لَا مُسْتَنَدَ لَهُ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ فَإِنَّ الْمَدْلُولَ فِي الْإِثْبَاتِ وَالنَّفْيِ لَا يَخْتَلِفُ فِي هَذَا الْمَقَامِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَقَامَيْنِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا الْحُكْمُ مُتَعَلِّقٌ بِكُلِّ الْقُرْآنِ لَا بِبَعْضِهِ، وَالْحُكْمُ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute