الْأُولَى الْحِنْثُ، وَفِي الثَّانِيَةِ الْبِرُّ.
وَلَفْظُ الْقُرْآنِ مِنْ الْأَلْفَاظِ الْمُتَوَاطِئَةِ تُطْلَقُ عَلَى كُلِّ الْقُرْآنِ وَعَلَى بَعْضِهِ عِنْدَ التَّجَرُّدِ مِنْ الْأَلِفِ وَاللَّامِ، وَعِنْدَ الِاقْتِرَانِ بِهَا إذَا أُرِيدَ بِهَا مُطْلَقُ الْمَاهِيَّةِ وَيُطْلَقُ عَلَى مَا يُرَادُ بِهِ إذَا اُقْتُرِنَ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ وَأُرِيدَ بِهَا مَعْهُودًا إمَّا كُلَّهُ وَإِمَّا بَعْضَهُ، فَإِنْ اُقْتُرِنَ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ وَلَمْ يَكُنْ مَعْهُودًا وَلَا أُرِيدُ مُطْلَقَ الْمَاهِيَّةِ كَانَتْ الْأَلِفُ وَاللَّامُ لِلْعُمُومِ فَيُحْمَلُ عَلَى جَمِيعِ الْقُرْآنِ لِأَنَّهُ جَمِيعُ مَا تَصْلُحُ لَهُ اللَّفْظَةُ لِأَنَّ لَفْظَ الْقُرْآنِ لَمْ يُطْلَقْ عَلَى غَيْرِ الْكِتَابِ الْعَزِيزِ بِالْحَقِيقَةِ وَلَيْسَ هَذَا كَالْحَلِفِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَشْرَبُ الْمَاءَ وَالْعَسَلَ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَلْفَاظِ الْمُتَوَاطِئَةِ حَيْثُ يُحْمَلُ عَلَى الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ، وَيَحْنَثُ بِالْبَعْضِ لِأَنَّ تِلْكَ الْحَقَائِقِ أَفْرَادُهَا كَثِيرَةٌ لَا تَتَنَاهَى فَلَا يُمْكِنُ الْحَمْلُ فِيهَا عَلَى الْعُمُومِ بِخِلَافِ لَفْظِ الْقُرْآنِ فَإِنَّ أَفْرَادَهُ سُوَرُ الْقُرْآنِ وَآيَاتُهُ وَالْحَمْلُ فِيهَا عَلَى الْعُمُومِ مُمْكِنٌ فَوَجَبَ الْمَصِيرُ إلَيْهِ عِنْدَ عَدَمِ الْعَهْدِ لِمَا قَدَّمْنَا أَنَّهُ لَمْ يُطْلَقْ عَلَى غَيْرِ الْكِتَابِ الْعَزِيز.
وَمَا أَفْهَمَهُ كَلَامُ السَّائِلِ مِنْ أَنَّهُ إذَا كَانَ مِنْ الْأَلْفَاظِ الْمُتَوَاطِئَةِ يَنْبَغِي أَنْ يَطَّرِدَ فِي جَانِبِ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ وَهُوَ كَذَلِكَ وَكَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَمَا أَفْهَمَهُ مِنْ كَوْنِهِ إذَا كَانَ لَا يُطْلَقُ إلَّا عَلَى الْجَمِيعِ تَكُونُ الْأَلِفُ وَاللَّامُ لِلْعَهْدِ لَيْسَ بَيْنَهُمَا تَلَازُمٌ بَلْ قَدْ تَكُونُ الْأَلِفُ وَاللَّامُ لِلْعَهْدِ، وَهُوَ مُطْلَقٌ عَلَى الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ وَلَا يَفْتَرِقُ الْحَالُ بَيْنَ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ.
وَيَنْبَغِي أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ قَوْلَنَا الْقُرْآنَ اسْمٌ لِلْكُلِّ وَالْبَعْضِ مُرَادُنَا بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ مُطْلَقُ الْمَاهِيَّةِ، فَإِنْ أَرَادَ السَّائِلُ لَفْظَ الْقُرْآنِ الْمُقْتَرِنِ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ فَجَوَابُهُ أَنَّهُ الْكُلُّ لَا الْبَعْضُ لَا مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ اسْمًا لِلْكُلِّ بَلْ بِقَرِينَتَيْنِ إحْدَاهُمَا: دُخُولُ الْأَلِفِ وَاللَّامِ وَالثَّانِيَةُ: عَنْ الْعَهْدِ وَعَنْ إرَادَةِ الْمَاهِيَّةِ، فَإِنْ أَطْلَقَ مُطْلِقٌ أَنَّ الْقُرْآنَ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ اسْمٌ لِلْكُلِّ كَانَ مُصِيبًا فِي الْمَعْنَى مُخْطِئًا فِي الْعِبَارَةِ لِأَنَّا لَا نُسَمِّي مِثْلَ ذَلِكَ اسْمًا فَإِنَّ الِاسْمَ مَا كَانَ مَوْضُوعًا لِلْمَعْنَى، وَقُرْآنٌ الْمُنَكَّرُ مَوْضُوعٌ لِلْمَاهِيَّةِ الصَّالِحَةِ لِكُلِّهِ وَلِبَعْضِهِ وَالْمُعَرَّفُ لَمْ يُوضَعْ وَحْدَهُ إنَّمَا هُوَ مُرَكَّبٌ مِنْ كَلِمَتَيْنِ الْمُنَكَّرُ الْكُلِّيُّ وَالْأَدَاةُ الْمُعَمَّمَةُ عِنْدَ عَدَمِ الْعَهْدِ. هَذَا جَوَابُ السَّائِلُ نَفَعَ اللَّهُ بِهِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ إنَّهَا وَقَعَتْ فِي الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ فَعَجِيبٌ لِأَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مِنْ الْمَشْهُورَاتِ.
وَقَالَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute