للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَى قَوْمٍ مَعْرُوفِينَ بِأَعْيَانِهِمْ، وَأَنْسَابِهِمْ، وَصِفَاتِهِمْ، وَيَجْتَمِعُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ الْمُتَصَدِّقُ بِهَا: تَصَدَّقْت بِدَارِي هَذِهِ عَلَى قَوْمٍ، أَوْ رَجُلٍ مَعْرُوفٍ بِعَيْنِهِ يَوْمَ تَصَدَّقَ، أَوْ صِفَتِهِ، أَوْ نَسَبِهِ حَتَّى يَكُونَ أَنَا أُخْرِجُهَا مِنْ مِلْكِهِ لِمَالِكِ مِلْكِهِ مَنْفَعَتُهَا يَوْمَ أَخْرَجَهَا، وَيَكُونَ مَعَ ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ: صَدَقَةٌ لَا تُبَاعُ، وَلَا تُوهَبُ، أَوْ يَقُولَ: لَا تُورَثُ، أَوْ يَقُولُ: غَيْرُ مَوْرُوثَةٍ، أَوْ يَقُولَ: صَدَقَتِي مُحَرَّمَةٌ، أَوْ يَقُولَ: صَدَقَةٌ مُؤَبَّدَةٌ، فَإِذَا كَانَ وَاحِدٌ مِنْ هَذَا فَقَدْ حُرِّمَتْ الصَّدَقَةُ فَلَا تَعُودُ مِيرَاثًا أَبَدًا انْتَهَى. وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْقَبُولِ أَصْلًا.

وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ لَمَّا ذَكَرَ الْقَوْلَيْنِ فِي الْمُنْقَطَعِ الْأَوَّلِ قَالَ: وَهَكَذَا الْقَوْلَانِ إذَا وَقَفَ عَلَى مَنْ يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَيْهِ فَرَدَّ الْوَقْفَ مِثْلُ إنْ قَالَ: وَقَفْت عَلَى وَلَدِي، ثُمَّ وَلَدِ وَلَدِي، فَرَدَّ الْوَلَدُ الْمَوْقُوفَ، وَلَمْ يَقْبَلْهُ فَإِنَّهُ لَا يَصِيرُ وَقْفًا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ صِحَّتِهِ الْقَبُولَ وَلَكِنْ مِنْ شَرْطِ الْوَقْفِ عَلَيْهِ قَبُولُهُ، فَإِذَا لَمْ يَصِرْ وَقْفًا عَلَيْهِ فَهَلْ يَبْطُلُ فِي الْكُلِّ، أَوْ لَا عَلَى الْقَوْلَيْنِ.

وَقَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ فِي تَوْجِيهِ الْقَوْلَيْنِ فِي أَنَّهُ هَلْ يَنْتَقِلُ إلَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ، أَوْ لَا يَعْنِي: بَلْ لِلَّهِ تَعَالَى قَالَ إذَا قُلْنَا: لَا يَنْتَقِلُ إلَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ، فَوَجْهُهُ أَنَّهُ أَزَالَ مِلْكَهُ عَنْ الْعَيْنِ وَالْمَنْفَعَةِ عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ بِتَمْلِيكِ الْمَنْفَعَةِ فَانْتَقَلَ الْمِلْكُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى كَالْعِتْقِ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ انْتَقَلَ إلَيْهِ لَافْتَقَرَ إلَى قَبُولِهِ كَسَائِرِ الْأَمْلَاكِ هَذَا لَفْظُ ابْنِ الصَّبَّاغِ.

وَقَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ أَيْضًا: إذَا رَدَّ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ أَوَّلًا الْوَقْفَ، وَلَمْ يَقْبَلْهُ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ فِي حَقِّهِ، فَإِنَّ الْوَقْفَ لَمْ يَكُنْ مِنْ شَرْطِهِ الْقَبُولُ إلَّا أَنَّهُ يَبْطُلُ الْوَقْفُ عَلَيْهِ بِرَدِّهِ، إذَا ثَبَتَ هَذَا فَاخْتَلَفَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ قَالَ هُنَا: الْوَقْفُ جَمِيعُهُ بَاطِلٌ، وَقَالَ فِي حَرْمَلَةَ قَوْلَيْنِ.

وَقَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ: الْوَقْفُ الْعَامُّ لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الْقَبُولُ، وَالْوَقْفُ الْخَاصُّ إذَا وَقَفَ عَلَى وَلَدٍ، أَوْ قَوْمٍ مُعَيَّنِينَ هَلْ يُعْتَبَرُ فِيهِ الْقَبُولُ؟ إنْ قُلْنَا: الْمِلْكُ لِلَّهِ تَعَالَى لَمْ يُعْتَبَرْ كَالْعِتْقِ، وَالْأَوْقَافِ الْعَامَّةِ وَإِنْ قُلْنَا: مِلْكُ الْوَاقِفِ لَمْ يُعْتَبَرْ كَمَا لَا يُعْتَبَرْ الْعِلْمُ بِالْمُسْتَحَقِّ وَإِنْ قُلْنَا: مِلْكُ الْمَوْقُوفِ فَوَجْهَانِ، وَيَقْرَبُ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَسْأَلَةُ الْوَصِيَّةِ لِمُعَيَّنٍ هَلْ يَتَوَقَّفُ الْمِلْكُ عَلَى قَبُولِهِ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَتِمُّ الْحَبْسُ وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْ أَمَّا الْقَبُولُ، فَلَيْسَ بِشَرْطٍ فِي لُزُومِ الْوَقْفِ وَإِنَّمَا هُوَ شَرْطٌ فِي تَمْلِيكِ الْغَلَّةِ عِنْدَ حُصُولِهَا؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ إزَالَةُ مِلْكٍ عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ فَأَشْبَهَ الْعِتْقَ.

وَالْغَلَّةُ تَمْلِيكٌ مَا فُرُوعِي فِيهِ الْقَبُولُ كَالْوَصَايَا، وَلَيْسَ الْقَبُولُ هُنَا لَفْظًا مُعْتَبَرًا، بَلْ قَبُولَ رِضًا وَاخْتِيَارٍ، وَهُوَ أَنْ يَأْخُذَ الْغَلَّةَ إذَا أُعْطِيهَا، أَوْ يَظْهَرَ مِنْهُ قَبْلَ الْأَخْذِ مَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا، وَالِاخْتِيَارِ ثُمَّ الْغَلَّةُ هَاهُنَا تَحْدُثُ عَلَى مِلْكِهِ سَوَاءٌ قَبْلَ أَنَّهُ مَلَكَ الْأَصْلَ أَوْ لَا يَمْلِكْهُ بِالِاخْتِيَارِ

<<  <  ج: ص:  >  >>