إشْكَالَ، وَإِنْ قُلْنَا بِالْحَاجَةِ وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ فَقَدْ بَنَوْا عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يُزَوَّجُ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ يَخَافُ الْعَنَتَ وَتَحْتَهُ حُرَّةٌ لَا تَصْلُحُ لِلِاسْتِمْتَاعِ هَلْ لَهُ نِكَاحُ الْأَمَةِ؟ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْعِرَاقِيِّينَ الْجَوَازُ وَعِنْدَ الْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ وَالْبَغَوِيِّ الْمَنْعُ وَقَالَ الرَّافِعِيُّ فِي الْمُحَرَّرِ: إنَّهُ أَحْوَطُ فَعَلَى الْأَوَّلِ لَا إشْكَالَ فِي الْجَوَازِ هُنَا أَيْضًا وَعَلَى الثَّانِي يَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ بِالْمَنْعِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ بِالْجَوَازِ وَيُفَرَّقُ بِأَنَّ مَحْذُورَ رَقِّ الْوَلَدِ أَشَدُّ فِي نَظَرَ الشَّرْعِ.
وَقَوْلُ الرَّافِعِيِّ فِي الْمُحَرَّرِ: إنَّ الْأَحْوَطَ الْمَنْعُ لَعَلَّ مَأْخَذَهُ أَنَّهُ تَعَارَضَ عِنْدَهُ دَلِيلُ الْحَظْرِ وَدَلِيلُ الْإِبَاحَةِ فَغَلَّبَ الْحَظْرَ وَإِلَّا فَلَا يُقَالُ فِي إثْبَاتِ حُكْمٍ مِنْ حُكْمَيْنِ مُتَضَادَّيْنِ: إنَّهُ أَحْوَطُ، وَلَمْ يَعْتَمِدْ النَّوَوِيُّ فِي الْمِنْهَاجِ هَذَا بَلْ قَالَ: لَا يَنْكِحُ الْحُرُّ أَمَةً إلَّا بِشُرُوطٍ: أَنْ لَا يَكُونَ تَحْتَهُ حُرَّةٌ تَصْلُحُ لِلِاسْتِمْتَاعِ، وَقِيلَ: أَوْ لَا تَصْلُحُ.
وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ النَّوَوِيَّ يَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ كَمَا هُوَ رَأْيُ الْعِرَاقِيِّينَ وَلَمْ يُبَيِّنْ أَنَّهُ مِنْ إفَادَاتِهِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ الْأَحْوَطُ لَا يَقْتَضِي تَصْحِيحًا، وَعَلَى الْجُمْلَةِ الْمَنْعُ مِنْ نِكَاحِ الْأَمَةِ إذَا قِيلَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَطِيعٌ فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ النَّصِّ بَلْ يَقْتَضِي مَفْهُومَ النَّصِّ مَنْعَهُ وَلَيْسَ فِي السَّفِيهِ نَصٌّ يَقْتَضِي الْمَنْعَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَائِدَةٌ) مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ تَزْوِيجُ الصِّغَارِ وَلَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يُصَرِّحَ السُّلْطَانُ فِي تَقْلِيدِ الْقَاضِي بِذَلِكَ فَنَشَأَ لَنَا عَنْ ذَلِكَ بَحْثَانِ:
(أَحَدُهُمَا) إذَا كَانَ السُّلْطَانُ شَافِعِيًّا لَا يَرَى تَزْوِيجَ الصِّغَارِ هَلْ لَهُ أَنْ يُوَلِّيَ حَنَفِيًّا؟ وَجْهَانِ: الصَّحِيحُ الْجَوَازُ وَإِذَا قُلْنَا بِهِ فَهَلْ يَمْتَنِعُ لَهُ أَنْ يَنُصَّ عَلَى تَزْوِيجِ الصِّغَارِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَرَى فَكَيْفَ يَنُصُّ عَلَيْهِ أَوْ يُجَوِّزُ لَهُ لَمْ أَرَ فِيهِ نَقْلًا وَإِلَّا فَهُوَ كَالْأَوَّلِ.
وَوَجْهُ احْتِمَالِ الثَّانِي أَنَّهُ قَدْ يَأْذَنُ أَنْ يُزَوِّجَ عَلَى مَذْهَبِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْطَعْ بِخَطَئِهِ وَهَلْ لِلْقَاضِي الشَّافِعِيِّ أَنْ يَأْذَنَ لِحَنَفِيٍّ فِي تَزْوِيجِ صَغِيرَةٍ تَحْتَ نَظَرِهِ؟ يَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ: يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ النَّاظِرُ فِي الْأُمُورِ كَالسُّلْطَانِ فَيَأْتِي فِيهِ مَا قُلْنَاهُ فِي السُّلْطَانِ الشَّافِعِيِّ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ: لَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَرَاهُ فَلَا يَنُصُّ عَلَيْهِ بِخِلَافِ اسْتِنَابَتِهِ حَنَفِيًّا مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةِ.
وَهَذَانِ لَمْ أَرَ أَحَدًا خَرَّجَهُمَا غَيْرِي، وَاَلَّذِي وَجَدْته فِي ذَلِكَ تَصْنِيفُ كَمَالِ الدِّينِ التَّفْلِيسِيِّ فِي أَنَّ عَقْدَ الْحَنَفِيِّ هَلْ هُوَ حُكْمٌ أَوْ لَا وَالْكَلَامُ فِيهِ مَعْرُوفٌ وَلَمْ يَتَعَرَّضُ هُوَ وَلَا غَيْرُهُ لِهَذَيْنِ الْبَحْثَيْنِ مَعَ أَنَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute