للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَكُونُ لَهُ هَذِهِ الْقُوَّةُ

وَأَمَّا فِيمَا يَحْدُثُ مِنْ الْوَقَائِعِ الَّتِي يَكُونُ عَدَمُ رُؤْيَتِهِ لَهُ لِمَا فِي تِلْكَ الْوَاقِعَةِ الْخَاصَّةِ مِنْ الْأَسْبَابِ الَّتِي يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا مَدَارِكُ الْقَضَاءِ مِنْ غَيْرِ رُجُوعٍ إلَى اخْتِلَافِ الْمَذَاهِبِ

. وَكَثِيرًا مَا يَتَّفِقُ ذَلِكَ وَيَكُونُ قَاضِيَانِ مُتَّفِقَانِ فِي الْمَذْهَبِ أَوْ تَكُونُ الْمَسْأَلَةُ مُجْمَعًا عَلَى حُكْمِهَا مِنْ حَيْثُ الْفِقْهُ وَلَكِنْ يَخْتَلِفُ نَظَرُ الْحَاكِمِينَ فِي حَالِ الشُّهُودِ وَالْمُتَخَاصَمِينَ وَالْحِجَجِ الَّتِي بِأَيْدِيهِمَا وَيَظْهَرُ لِأَحَدِ الْحَاكِمَيْنِ مَا لَا يَظْهَرُ لِلْآخَرِ مِمَّا لَا يَنْتَهِي إلَى نَقْضِ الْحُكْمِ قَبْلُ أَرَى أَنَّ هَذَا يَعْرِضُ عَنْهُ وَلَا يُنَفِّذُهُ لِأَنَّ التَّنْفِيذَ مَعَ اعْتِقَادِ خِلَافِهِ حُكْمٌ بِغَيْرِ مَا يَعْتَقِدُ وَلَا يَحِلُّ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَحْكُمَ بِمَا لَا يَعْتَقِدَ وَقَوْلِي هُنَا بِأَنَّهُ لَا يَنْفُذُ عَلَى جِهَةِ الْمَنْعِ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ أَنْ يُنْفِذَ ذَلِكَ وَقَوْلِي فِي الْأَوَّلِ أَنَّهُ يَنْفُذُ إنَّمَا أَقُولُهُ عَلَى سَبِيلِ الْجَوَازِ، وَلَا أَقُولُهُ عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ لِأَمْرَيْنِ:

(أَحَدُهُمَا) نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُنْفِذُهُ فَأَقَلُّ دَرَجَاتِهِ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْجَوَازِ.

(وَالثَّانِي) أَنَّهُ لَا يُعْتَقَدُ وَإِنَّمَا جَوَّزْنَاهُ لِتَفَاوُتِ الْمَأْخَذِ عِنْدَهُ وَعَدَمِ اعْتِقَادِ خَطَئِهِ، وَلَا يُعْتَرَضُ عَلَى هَذَا بِأَنَّهُ بَعْدَ حُكْمِ الْحَاكِمِ صَارَ كَالْمُجْمَعِ عَلَيْهِ لِأَنَّا نَقُولُ ذَلِكَ فِي عَدَمِ النَّقْضِ خَاصَّةً أَمَّا فِي اعْتِقَادِهِ فَلَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(مَسْأَلَةٌ) تَوَلَّدَتْ عَنْ ذَلِكَ الْقَاضِي الشَّافِعِيِّ فِي هَذَا الزَّمَانِ وَمِنْ أَزْمَانٍ طَوِيلَةٍ هُوَ النَّاظِرُ فِي الْأُمُورِ الْعَامَّةِ وَالْمُتَوَلِّي الْأَوْقَافَ وَالْأَيْتَامَ وَبَيْتَ الْمَالِ وَغَيْرَهَا فَكُلُّ مَا هُوَ تَحْتَ نَظَرِهِ يَنْبَغِي أَنَّ غَيْرَهُ مِنْ الْقُضَاةِ لَا يَحْكُمُ فِيهِ إلَّا بِإِذْنِهِ لِأَنَّهُ إذَا حَكَمَ بِمَا لَا يَرَاهُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُنَفِّذَهُ بِالْقَوْلِ وَلَا بِالْفِعْلِ أَمَّا بِالْقَوْلِ فَلِمَا سَبَقَ وَأَمَّا بِالْفِعْلِ فَلِأَنَّهُ أَعْظَمُ لِأَنَّ تَسْلِيمَ الْمَحْكُومِ بِهِ وَإِخْرَاجَهُ مِنْ يَدِهِ إلَى مَنْ حَكَمَ لَهُ غَيْرُهُ بِهِ أَعْظَمُ مِنْ قَوْلِهِ نَفَّذْت فَإِذَا مَنَعْنَاهُ مِنْ التَّنْفِيذِ بِالْحُكْمِ الْقَوْلِيِّ فَلَأَنْ نَمْنَعَهُ مِنْ هَذَا بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَإِنْ كَانَ الْحُكْمُ مِمَّا يَرَاهُ فَإِنَّهُ هُوَ يَحْكُمُ بِهِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى حُكْمٍ غَيْرِهِ، نَعَمْ قَدْ يَعْتَقِدُ فِي قَضِيَّةٍ أَنَّهَا حَقٌّ وَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَحْكُمَ بِهَا مِثْلَ أَنْ يَمُوتَ مَيِّتٌ وَيَظْهَرَ عَلَيْهِ دَيْنٌ بِمَسْطُورٍ فِيهِ شُهُودٌ قَدْ مَاتُوا وَيَكُونَ هُنَاكَ قَرَائِنُ تَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ الْمَسْطُورِ وَبَقَاءِ الدَّيْنِ فِي ذِمَّةِ الْمَيِّتِ فَهَاهُنَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَأْذَنَ لِقَاضٍ مَالِكِيٍّ فَيُثْبِتَهُ بِالْخَطِّ عَلَى مَذْهَبِهِ تَوَصُّلًا إلَى بَرَاءَةِ ذِمَّةِ الْمَيِّتِ وَوُصُولِ الْحَقِّ إلَى صَاحِبِهِ أَوْ يَكُونَ وَقَفَ عَلَى نَفْسِهِ ثُمَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>