الشُّهُودُ لَا نَعْلَمُ لَهُ مُزِيلًا حَلَفَ الْمُدَّعِي مَعَ شَهَادَتِهِمْ إلَّا أَنْ يَقُولُوا: غَصَبَهُ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ عَلَى خِلَافِ الظَّاهِرِ وَلَمْ يُسْقِطُوا الظَّاهِرَ الَّذِي مَعَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِنْ الْيَدِ فَأُضِيفَ إلَيْهَا الْيَمِينُ.
وَنَقَلَ الرَّافِعِيُّ عَمَّا جَمَعَ مِنْ فَتَاوَى الْقَفَّالِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُمْ لَوْ شَهِدُوا عَلَى أَنَّ هَذِهِ الدَّارَ اشْتَرَاهَا الْمُدَّعِي مِنْ فُلَانٍ وَهُوَ يَمْلِكُهَا وَلَمْ يَقُولُوا: إنَّهَا الْآنَ مِلْكُهُ فَفِي قَبُولِ الشَّهَادَةِ قَوْلَانِ كَمَا لَوْ شَهِدُوا أَنَّهَا كَانَتْ مِلْكَهُ بِالْأَمْسِ.
قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَالْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِ الْأَكْثَرِينَ أَنَّهَا مَقْبُولَةٌ كَافِيَةٌ.
قُلْت: وَهُوَ مَحَلُّ نَظَرٍ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا لَمْ يَقْصِدْ أَنْ يَضُمَّ إلَيْهَا بَيِّنَةً أُخْرَى وَإِلَّا فَهِيَ شَهَادَةٌ بِبَعْضِ الْمُدَّعَى بِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ تُقْبَلَ قَطْعًا وَيَتَوَقَّفَ الْعَمَلُ بِهَا عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ عَلَى التَّكْمِلَةِ بِبَيِّنَةٍ أُخْرَى أَنَّ مِلْكَهُ بَاقٍ، وَأَنَّهُ إذَا ادَّعَى دَارًا وَأَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهَا مِلْكُهُ وَانْتَزَعَهَا وَجَاءَ آخَرُ بَعْدَ مُدَّةٍ طَوِيلَةٍ أَوْ يَسِيرَةٍ يَدَّعِيهَا وَأَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الَّذِي كَانَتْ فِي يَدِهِ وَكَانَ يَمْلِكُهَا يَوْمَئِذٍ يُقْضَى بِالدَّارِ لِلْمُدَّعِي وَكَانَ كَمَا لَوْ أَقَامَ صَاحِبُ الْيَدِ الْبَيِّنَةَ قَبْلَ الِانْتِزَاعِ مِنْهُ.
وَنَقَلَ الرَّافِعِيُّ أَيْضًا عَنْ فَتَاوَى الْقَفَّالِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى دَارًا فِي يَدِ إنْسَانٍ وَأَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهَا مِلْكُهُ وَجَاءَ آخَرُ يَدَّعِيهَا وَأَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ فُلَانٍ رَجُلٍ آخَرَ يَوْمَ كَذَا وَلَمْ يَقُولُوا: إنَّهُ كَانَ يَمْلِكُهَا يَوْمَئِذٍ وَلَكِنْ أَقَامَ بَيِّنَةً أُخْرَى أَنَّهُ كَانَ يَمْلِكُهَا يَوْمَئِذٍ سُمِعَتْ هَاتَانِ الْبَيِّنَتَانِ وَصَارَتَا كَبَيِّنَةٍ وَاحِدَةٍ فَيَحْصُلُ التَّعَارُضُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ بَيِّنَةِ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا الْمُدَّعِي الْأَوَّلُ.
وَنَقَلَ ابْنُ الصَّبَّاغِ عَنْ مَسْأَلَةِ الْأُمِّ لَوْ ادَّعَى عَبْدُ الْمَلِكِ أَرْضًا فِي يَدِ عَبْدِ اللَّهِ وَأَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ لَمْ يُقْبَلْ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بَاعَهَا وَهُوَ يَمْلِكُهَا أَوْ أَنَّهَا أَرْضُ الْمُدَّعِي اشْتَرَاهَا مِنْ فُلَانٍ أَوْ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْهُ وَقَبَضَهَا وَإِنْ لَمْ يَشْهَدُوا بِالْمِلْكِ؛ لِأَنَّهُمْ إذَا شَهِدُوا بِالْقَبْضِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا مِلْكُهُ وَفِي هَذَا الْقَبْضِ دَلِيلٌ لِلِاكْتِفَاءِ بِالْيَدِ أَمْ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْحُكْمِ ثُبُوتُ الْمِلْكِ، ثُمَّ أَوْرَدَ ابْنُ الصَّبَّاغِ أَنَّ هَذَا يَعْنِي إذَا شَهِدُوا بِالشِّرَاءِ أَوْ الْمِلْكِ شَهَادَةً بِالْمِلْكِ أَمْسِ.
وَأَجَابَ بِأَنَّ مِلْكَ الْمُشْتَرِي إنَّمَا حَصَلَ مِنْ جِهَتِهِ فَإِذَا كَانَتْ مِلْكَ الْبَائِعِ كَانَ كَيَدِ الْمُشْتَرِي الْآنَ فَصَارَ كَمَا إذَا شَهِدَتْ لَهُ أَنَّهُ يَمْلِكُهَا مِنْ سَنَةٍ وَيُخَالِفُ إذَا قَالَتْ كَانَ مَالِكًا لَهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَقْتَضِي بَقَاءَ مِلْكِهِ فِيهَا إلَى الْآنَ، وَهَذَا يَشْهَدُ لِمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي مَسْأَلَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute