للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَنَّ «خَلْقَ آدَمَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ» وَالْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ يَتَضَمَّنُ أَنَّهُ بَعْدَ الْعَصْرِ قُلْنَا: إنَّهُ بِيَوْمَيْنِ أَوْ نَحْوِهَا عَلَى التَّقْرِيبِ وَأَمَّا التَّقَدُّمُ فَلَا تَرَدُّدَ فِيهِ وَالْمَعْنَى فِيهِ قَدْ ذَكَرْنَاهُ، وَالْآيَاتُ الَّتِي تَدُلُّ لَهُ مِنْهَا قَوْله تَعَالَى {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ} [البقرة: ٢٩] وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّ الْآيَةَ الْكَرِيمَةَ اقْتَضَتْ خَلْقَ مَا فِي الْأَرْضِ قَبْلَ تَسْوِيَةِ السَّمَاءِ، وَمِنْ جُمْلَةِ مَا فِي الْأَرْضِ الْخَيْلُ فَالْخَيْلُ مَخْلُوقَةٌ قَبْلَ تَسْوِيَةِ السَّمَاءِ عَمَلًا بِالْآيَةِ وَدَلَالَةُ {ثُمَّ} [البقرة: ٢٩] عَلَى التَّرْتِيبِ فَتَسْوِيَةُ السَّمَاءِ قَبْلَ خَلْقِ آدَمَ لِأَنَّ تَسْوِيَةَ السَّمَاءِ مِنْ جُمْلَةِ السِّتَّةِ الْأَيَّامِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا} [النازعات: ٢٨] إلَى قَوْله تَعَالَى {وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا} [النازعات: ٣٠] وَدَلَالَةُ الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ عَلَى أَنَّ «خَلْقَ آدَمَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بَعْدَ كَمَالِ الْمَخْلُوقَاتِ» إمَّا آخِرَ الْأَيَّامِ السِّتَّةِ إنْ قُلْنَا: ابْتِدَاءُ الْخَلْقِ يَوْمَ الْأَحَدِ كَمَا يَقُولُهُ الْمُؤَرِّخُونَ وَأَهْلُ الْكِتَابِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ أَكْثَرِ النَّاسِ، وَإِمَّا فِي الْيَوْمِ السَّابِعِ خَارِجًا عَنْ الْأَيَّامِ السِّتَّةِ كَمَا يَقْتَضِيهِ الْحَدِيثُ الَّذِي أَشَرْنَا إلَيْهِ فِيمَا سَبَقَ الَّذِي فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ الَّذِي صَدْرُهُ «إنَّ اللَّهَ خَلَقَ التُّرْبَةَ يَوْمَ السَّبْتِ» وَإِنْ كَانَ فِيهِ كَلَامٌ، وَأَمَّا تَأَخُّرُ خَلْقِ آدَمَ فَلَا كَلَامَ فِيهِ. فَثَبَتَ بِهَذَا أَنَّ خَلْقَ الْخَيْلِ قَبْلَ خَلْقِ آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَهِيَ مِنْ جُمْلَةِ الْمَخْلُوقَاتِ فِي الْأَيَّامِ السِّتَّةِ لَا كَمَا يَقُولُهُ بَعْضُ الْجَهَلَةِ الْكَفَرَةِ فَيُرْوَى فِيهِ أَحَادِيثُ مَوْضُوعَةٌ لَا تَصْدُرُ إلَّا عَنْ سُخْفِ الْمَجَانِينِ، لَا حَاجَةَ بِنَا إلَى ذِكْرِهَا.

وَمِنْ الْآيَاتِ قَوْله تَعَالَى {وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة: ٣١] {قَالُوا سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} [البقرة: ٣٢] {قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ} [البقرة: ٣٣] وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِهَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا إمَّا أَنْ يُرَادَ بِهَا نَفْسُ الْأَسْمَاءِ أَوْ صِفَاتُ الْمُسَمَّيَاتِ وَمَنَافِعُهَا وَعَلَى كِلَا التَّقْدِيرَيْنِ الْمُسَمَّيَاتُ مَوْجُودَةٌ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>