ذَلِكَ يَقْتَضِي تَكْفِيرًا وَلَا تَفْسِيقًا وَإِنَّمَا هُوَ كَالِاخْتِلَافِ فِي سَائِرِ الْفُرُوعِ جَرَّ قِتَالًا لِأَمْرٍ أَرَادَهُ اللَّهُ - أَنْكَرَتْ هَذِهِ الطَّائِفَةُ الْخَبِيثَةُ مَا اتَّفَقَ مِنْ التَّحْكِيمِ وَغَيْرِهِ وَكَفَّرَتْ الصَّحَابَةَ.
وَمِنْ اعْتِقَادِهِمْ التَّكْفِيرُ بِالذَّنْبِ، وَيُسَمَّوْنَ خَوَارِجَ لِخُرُوجِهِمْ عَلَى إمَامِ الْمُسْلِمِينَ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَيُسَمَّوْنَ حَرُورِيَّةَ لِنُزُولِهِمْ أَرْضًا يُقَالُ لَهَا: حَرُورَاءُ وَكَانُوا ثَمَانِيَةَ آلَافِ نَفْسٍ فَأَرْسَلَ إلَيْهِمْ عَلِيٌّ ابْنَ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فَنَاظَرَهُمْ يَوْمًا كَامِلًا فَرَجَعَ مِنْهُمْ أَرْبَعَةُ آلَافٍ وَبَقِيَ أَرْبَعَةُ آلَافٍ وَمِنْهُمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُلْجَمٍ الَّذِي قَتَلَ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَأَخْبَارُهُمْ طَوِيلَةٌ وَلَا خِلَافَ فِي فِسْقِهِمْ. وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي كُفْرِهِمْ وَالْأَقْرَبُ كُفْرُهُمْ وَهُمْ مُتَنَطِّعُونَ فِي الدِّينِ غَالُونَ فِيهِ يَعْتَقِدُونَ أَنَّهُ مِنْ الدِّينِ وَاثْنَانِ هَالِكَانِ مُفَرِّطٌ وَمُفَرِّطٌ فَهَؤُلَاءِ هَلَكُوا بِالْإِفْرَاطِ كَمَا هَلَكَ غَيْرُهُمْ بِالتَّفْرِيطِ.
وَمَا حَمَلَهُمْ عَلَى ذَلِكَ إلَّا أَنَّهُمْ جَرَّدُوا الْخَوْفَ وَاعْتَقَدُوا أَنَّ الْمَعْصِيَةَ تُرْدِي صَاحِبَهَا وَلَمْ يَرْجُوا لَهُمْ مِنْ اللَّهِ عَفْوًا وَلَا مَغْفِرَةً وَلَا رَحْمَةً فَمَنْ عَبَدَ اللَّهَ عَلَى مُجَرَّدِ الْخَوْفِ فَقَدْ تَشَبَّهَ بِهَؤُلَاءِ حَيْثُ لَا يَرْجُو رَحْمَةً وَمَغْفِرَةً لِلْعَاصِي الْمُذْنِبِ، وَإِنْ فُرِضَ أَنَّهُ يَرْجُوهُمَا مَحْضَ الْخَوْفِ فَأَرَادَ مَكْحُولٌ أَنْ يُنَبِّهَ عَلَى أَنَّ تَجْرِيدَ الْخَوْفِ يُوجِدُ الِالْتِحَاقَ بِهَذِهِ الطَّائِفَةِ.
وَقَوْلُهُ وَمَنْ عَبَدَ اللَّهَ بِالرَّجَاءِ فَهُوَ مُرْجِئٌ يَعْنِي إذَا عَبَدَ بِالرَّجَاءِ وَحْدَهُ وَلَمْ يَحْصُلْ عِنْدَهُ خَوْفٌ أَوْ حَصَلَ وَلَكِنَّهُ مَغْمُورٌ فِي جَنْبِ الرَّجَاءِ فَهَذَا لَا يَخَافُ مِنْ الْمَعْصِيَةِ فَيُشْبِهُ الْمُرْجِئَةَ الَّذِينَ يَقُولُونَ: إنَّهُ لَا يَضُرُّ مَعَ الْإِيمَانِ سَيِّئَةٌ كَمَا لَا يَنْفَعُ مَعَ الْكُفْرِ حَسَنَةٌ، فَقَاسُوا قِيَاسًا فَاسِدًا وَقَالُوا: كَمَا أَنَّ الْكَافِرَ إذَا فَعَلَ مَا شَاءَ مِنْ الْحَسَنَاتِ لَا يَنْفَعُهُ وَيَخْلُدُ فِي النَّارِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} [الفرقان: ٢٣] كَذَلِكَ الْمُؤْمِنُ إذَا ارْتَكَبَ أَنْوَاعَ الْمَعَاصِي وَالسَّيِّئَاتِ كَبَائِرَهَا وَصَغَائِرَهَا لَا يَضُرُّهُ ذَلِكَ مَعَ الْإِيمَانِ وَيَدْخُلُ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ عِقَابٍ، وَرُبَّمَا تَمَسَّكُوا فِي ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلا تَخْوِيفًا} [الإسراء: ٥٩] وَمَا حَمَلَهُمْ عَلَى ذَلِكَ إلَّا تَجْرِيدُهُمْ الرَّجَاءَ لِلْمُؤْمِنِ وَأَنَّهُ بِإِيمَانِهِ قَدْ اسْتَحَقَّ ثَوَابَ اللَّهِ وَالْأَمْنَ مِنْ عَذَابِهِ فَلَا يَضُرُّهُ مَا صَنَعَ بَعْدَ ذَلِكَ. وَهَذِهِ فِرْقَةٌ مِنْ فِرَقِ الْمُبْتَدِعَةِ حَدَثَتْ بَعْدَ الْفِرْقَةِ الْأُولَى.
وَالْمُرْجِئَةُ عَلَى قِسْمَيْنِ: هَذِهِ الطَّائِفَةُ وَطَائِفَةُ أُخْرَى لَهُمْ اعْتِقَادٌ آخَرُ لَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِهِ فَالْمُرْجِئَةُ الَّذِينَ أَرَادَهُمْ مَكْحُولٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute